فَوَجَدْنَا مَنْ جَعَلَ الْعَاقِلَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ خَاصَّةً يَقُولُونَ: إنَّ الدِّيَةَ كَانَتْ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى جَعَلَهَا عُمَرُ عَلَى الدِّيوَانِ.
قَالُوا: فَإِنْ بَطَلَ الدِّيوَانُ رَجَعَ الْأَمْرُ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ نَجِدْ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ بَاطِلٌ - إنَّ الَّذِي ادَّعَوْهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَبْطَلَ حُكْمَ الْعَاقِلَةِ الَّذِي حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ جَرَى عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ، وَأَحْدَثَ حُكْمًا آخَرَ، فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَكَذِبٌ مُفْتَرَى.
وَلَعَلَّ مُمَوِّهًا أَنْ يُمَوِّهَ فِي ذَلِكَ -: بِمَا ناه مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَمَّنْ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: جَعَلَ عُمَرُ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْأَعْطِيَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَمَّنْ لَا يُدْرَى.
وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ: أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ لَمْ يُسَمِّهِ الثَّوْرِيُّ: لَوْ كَانَ فِي شَيْخِ الثَّوْرِيِّ خَيْرٌ لَبَرِحَ بِهِ - ثُمَّ هُوَ عَنْ الشَّعْبِيِّ - وَلَمْ يُولَدْ الشَّعْبِيُّ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ؟ وَقَدْ جَهَدْنَا أَنْ نَجِدَ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَمَا وَجَدْنَاهُ وَلَا لَهُ أَصْلٌ أَلْبَتَّةَ - وَرَحِمَ اللَّهُ الْقَائِلَ: الْإِسْنَادُ مِنْ الدِّينِ، وَلَوْلَا الْإِسْنَادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، وَأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا.
كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ نا عَبْدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَصْرٍ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا ابْنُ وَضَّاحٍ نا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ نا وَكِيعٌ نا الرَّبِيعُ بْنُ صَبِيحٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي جِنَايَةٍ جَنَاهَا عُمَرُ: عَزَمْت عَلَيْك إلَّا قَسَمْت الدِّيَةَ عَلَى بَنِي أَبِيك فَقَسَمَهَا؟ عَلَى قُرَيْشٍ، فَهَذَا حُكْمُ عُمَرَ، وَعَلِيٌّ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَلَا يُعْرَفُ عَلَيْهِمَا مُنْكِرٌ مِنْهُمْ فِي قَسْمِ مَا تَغْرَمُهُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، لَا عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ، وَلَا عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً كَمَا قَالَ مَالِكٌ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا لَوْ وَجَدُوهُ.
وَأَمَّا عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَدْ نَزَّهَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنْ يُبْطِلَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُحْدِثَ حُكْمًا آخَرَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ، وَلَاحَ فَسَادُهُ، وَضَعْفُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute