قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَغَبًا غَيْرَ هَذَا، فَأَمَّا «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» فَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ وَأَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ إلَّا الشُّرُوطَ الَّتِي نَصَّ اللَّهُ - تَعَالَى - عَلَى إبَاحَتِهَا وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا شُرُوطًا لَمْ يُبِحْهَا اللَّهُ - تَعَالَى - وَلَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَهُوَ بَاطِلٌ» .
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ اخْتَلَفُوا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ - وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَا فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِ الْعُيُوبِ وَبَيْنَ إجْمَالِهَا، فَكَذَبُوا، بَلْ بَيْنَهُمَا أَعْظَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَمَّى الْعَيْبَ وَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَدْ صَدَقَ وَبَرِئَ مِنْهُ، وَإِذَا أَجْمَلَ الْعُيُوبَ فَقَدْ كَذَبَ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْعُيُوبَ تَتَضَادُّ، فَصَارَتْ صَفْقَةً انْعَقَدَتْ عَلَى الْكَذِبِ فَهِيَ مَفْسُوخَةٌ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ فَرْقٌ بَيْنَ صَفْقَةِ صِدْقٍ وَصَفْقَةِ كَذِبٍ - وَأَمَّا الصَّحَابَةُ: فَقَدْ اخْتَلَفُوا وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلْنَذْكُرْ الْآنَ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَقُوَّتِهِ -: وَهُوَ أَنَّ مَنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، فَهُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -، فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلِأَنَّهُ غِشٌّ، وَالْغِشُّ مُحَرَّمٌ.
قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» .
وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ: فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ لَا يُقَامَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ إنْ وُجِدَ، وَأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْهُ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْبَيْعَ هَكَذَا بَاطِلٌ أَوْ يَكُونَ أَرَادَ فِيهِ كُلَّ عَيْبٍ فَهَذَا بَاطِلٌ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْحُمَّى عَيْبٌ، وَهِيَ مِنْ حَرٍّ، وَالْفَالِجُ عَيْبٌ وَهُوَ مِنْ بَرْدٍ، وَهُمَا مُتَضَادَّانِ.
وَكُلُّ بَيْعٍ انْعَقَدَ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبَاطِلِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute