أَنْ عَلِمَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ حُجَّةً، وَلَا يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ، فَمَا بَالُهُمْ يُغْرُونَ الضُّعَفَاءَ بِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ؟ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَرْجِعْ مَالِكٌ عَنْهُ إلَّا لِخِلَافٍ وَجَدَهُ هُنَالِكَ؟ فَقُلْنَا: فَقَدْ جَازَ الْوَهْمُ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى الْإِجْمَاعِ، وَوَجَدَ الْخِلَافَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَا تُنْكِرُوا مِثْلَ هَذَا فِي سَائِرِ مَا ذُكِرَ فِيهِ أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ، وَلَا تُنْكِرُوا وُجُودَ الْخِلَافِ فِيهِ، وَهَذَا مَا لَا مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْهُ، إلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ بَيَّنَّا فِي إبْطَالِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بُطْلَانَهُ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - نَتَأَيَّدُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّانِي: فِي تَخْصِيصِهِ الرَّقِيقَ خَاصَّةً، فَمَا نَدْرِي لَهُ مُتَعَلَّقًا أَصْلًا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ.
وَلَعَلَّ قَائِلًا يَقُولُ: إنَّهُ قَلَّدَ عُثْمَانَ؟ فَقُلْنَا: وَمَا بَالُ تَقْلِيدِ عُثْمَانَ دُونَ تَقْلِيدِ ابْنِ عُمَرَ وَكِلَاهُمَا صَاحِبٌ -.
وَأَيْضًا: فَمَا قَلَّدَ عُثْمَانَ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَقُلْ إنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا هُوَ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، وَقَدْ خَالَفَهُ فِي قَضَائِهِ بِالنُّكُولِ، فَمَا حَصَلَ إلَّا عَلَى خِلَافِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ - فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا لِتَعَرِّيهِ عَنْ الْأَدِلَّةِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ الثَّالِثُ: الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ فَأَشَدُّهَا فَسَادًا لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلَّقَ لَهُ بِقَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ: لَا صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
ثُمَّ تَخْصِيصُهُ الْبَيْعَ عَلَى الْمُفْلِسِ عَجَبٌ، وَعُهْدَةُ الثَّلَاثِ كَذَلِكَ، ثُمَّ تَخْصِيصُهُ بِالْعَيْبِ الْخَفِيفِ - وَهُوَ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْخَفِيفُ مِنْ الثَّقِيلِ - فَحَصَلَ مُقَلِّدُوهُ فِي أَضَالِيلَ لَا يَحْكُمُونَ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ - تَعَالَى - إلَّا بِالظَّنِّ.
فَسَقَطَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَاعَ وَبَرِئَ مِنْ عَيْبٍ سَمَّاهُ فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تَفْصِيلِهِ عَيْبًا عَيْبًا وَبَيْنَ إجْمَالِهِ الْعُيُوبَ، وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ قَوْلُنَا عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَلَعَلَّهُمْ يَحْتَجُّونَ «بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute