وَاحْتَجَّ لِتَرْجِيحِهِ رَأْيَ عُثْمَانَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ لَا يَكَادُ يَخْلُو مِنْ عَيْبٍ بَاطِنٍ، وَأَنَّهُ يَتَغَذَّى بِالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ بِهَذَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْبَرَاءَةِ فِيهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ مِنْ الْعُيُوبِ وَلَا يَنْفَعُهُ مِمَّا عَلِمَ فَكَتَمَ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ؟ فَوَجَبَ رَفْضُ هَذَا الْقَوْلِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الدَّلَائِلِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْحُكْمَ بِمَا حَكَمَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ مَا سِوَاهُ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَ لَهُ تَخْصِيصُ الْحَيَوَانِ بِذَلِكَ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَكَمَ بِذَلِكَ فِي عَبْدٍ؟ قُلْنَا: فَلَا تَتَعَدَّوْا بِذَلِكَ الْعَبِيدَ، أَوْ الرَّقِيقَ.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْحَيَوَانَ عَلَى الْعَبْدِ؟ قُلْنَا: وَلِمَ لَمْ تَقِيسُوا جَمِيعَ الْمَبِيعَاتِ عَلَى الْعَبْدِ؟ فَحَصَلُوا عَلَى خَبَالِ الْقِيَاسِ، وَعَلَى مُخَالَفَةِ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّهُ بَاعَ سِلْعَةً كَانَتْ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخَبَرَ بِتَمَامِهِ، وَقَضَى عُثْمَانُ عَلَيْهِ بِالْيَمِينِ: أَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَبِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَكَرِهَ ابْنُ عُمَرَ الْيَمِينَ وَارْتَجَعَ السِّلْعَةَ.
فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مَبِيعٍ وَإِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا فِي تَفْرِيقِهِمْ هَذَا مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلًا.
وَأَمَّا أَقْوَالُ مَالِكٍ: فَشَدِيدَةُ الِاضْطِرَابِ -: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَكَى عَنْ أَحَدِهَا - وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ - أَنَّهُ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا اللَّفْظُ عِنْدَ مُقَلِّدِيهِ مِنْ الْحُجَجِ الَّتِي لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، وَفِي هَذَا عَجَبَانِ عَجِيبَانِ -:.
أَحَدُهُمَا - أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ خِلَافُ هَذَا الْأَمْرِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهِ، وَمَا عَلِمْنَا إجْمَاعًا يَخْرُجُ مِنْهُ عُثْمَانُ، وَابْنُ عُمَرَ.
وَالثَّانِي - أَنَّهُ رَجَعَ مَالِكٌ نَفْسُهُ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، فَلَئِنْ كَانَ الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ حُجَّةً لَا يَجُوزُ خِلَافُهَا، فَكَيْفَ اسْتَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُخَالِفَ الْمُجْتَمَعَ عَلَيْهِ بِالْمَدِينَةِ، وَهُوَ الْحَقُّ؟ فَلَقَدْ خَالَفَ الْحَقَّ وَتَرَكَهُ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute