وَالثَّالِثُ - وَهُوَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِالْبَرَاءَةِ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَقَطْ -
وَهُوَ بَيْعُ السُّلْطَانِ لِلْمَغْنَمِ، أَوْ عَلَى مُفْلِسٍ.
وَالثَّانِي: الْعَيْبُ الْخَفِيفُ خَاصَّةً فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً لِكُلِّ أَحَدٍ.
وَالثَّالِثُ: فِيمَا يُصِيبُ الرَّقِيقَ فِي عُهْدَةِ الثَّلَاثِ خَاصَّةً.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ، مِنْهُمْ: عَطَاءٌ، وَشُرَيْحٌ، إلَى أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ أَحَدٌ وَإِنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ، إلَّا مِنْ عَيْبٍ بَيَّنَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ.
فَأَمَّا الْقَوْلُ بِوَضْعِ الْيَدِ فَرُوِّينَاهُ عَنْ شُرَيْحٍ، وَصَحَّ عَنْ عَطَاءٍ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتهمْ يُجِيزُونَ مِنْ الدَّاءِ إلَّا مَا بَيَّنْت وَوَضَعْت يَدَك عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَوْ وَجَدَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ مِثْلَ هَذَا لَطَارُوا بِهِ كُلَّ مَطَارٍ؛ لِأَنَّ أَبَا عُثْمَانَ أَدْرَكَ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ - أَوَّلَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ - وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ.
فَلَوْ وَجَدُوا مِثْلَ هَذَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَهُ لَقَالُوا: إنَّمَا ذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ وَهَذَا إجْمَاعٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نَقْطَعُ بِالظُّنُونِ، وَلَا نَدْرِي لِوَضْعِ الْيَدِ مَعْنًى، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُؤْخَذُ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَنْ غَيْرِهِ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا أَنَّهُ قَلَّدَ مَا رُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَخَاصَمَهُ الْمُشْتَرِي إلَى عُثْمَانَ وَقَالَ: بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ لَمْ يُسَمِّهِ لِي؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: بِعْته بِالْبَرَاءَةِ، فَقَضَى عُثْمَانُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ بَاعَهُ الْغُلَامَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا إذْ قَلَّدَ عُثْمَانَ وَلَمْ يُقَلِّدْ ابْنَ عُمَرَ جَوَازَ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ فِي الرَّقِيقِ، وَالشَّافِعِيُّ أَشَدُّ النَّاسِ إنْكَارًا لِلتَّقْلِيدِ.
ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ كَيْفَ قَلَّدَ عُثْمَانَ فِيمَا لَمْ يَقُلْهُ عُثْمَانُ قَطُّ، وَلَا صَحَّ عَنْهُ، وَلَمْ يُقَلِّدْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فِي قَضَائِهِ عَلَى ابْنِ عُمَرَ بِالنُّكُولِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ؟ إنَّ هَذَا هُوَ عَيْنُ الْعَجَبِ.