وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ: يُعْقَرُ كُلُّ ذَلِكَ، فَأَمَّا الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، فَتُعْقَرُ، ثُمَّ تُحْرَقُ، وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ فَتُعْقَرُ فَقَطْ.
وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: أَمَّا الْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَتُذْبَحُ، وَأَمَّا الْخَيْلُ فَلَا تُذْبَحُ، وَلَا تُعْقَرُ، لَكِنْ تُعَرْقَبُ، أَوْ تُشَقُّ أَجْوَافُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ التَّخْلِيطِ مَا لَا خَفَاءَ بِهِ عَلَى ذِي فَهْمٍ، أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهُ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ، وَتَفْرِيقٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَكَانَتْ حُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَكَلُوا الْإِبِلَ، وَالْبَقَرَ، وَالْغَنَمَ، وَالْخَيْلَ إذَا وَجَدُوهَا مَنْحُورَةً فَكَانَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ أَدْخَلَ فِي التَّخْلِيطِ مِنْ الْقَوْلَةِ الْمُحْتَجِّ لَهَا.
وَلَيْتَ شِعْرِي مَتَى كَانَتْ النَّصَارَى، أَوْ الْمَجُوسُ، أَوْ عُبَّادُ الْأَوْثَانِ يَتَجَنَّبُونَ أَكْلَ حِمَارٍ، أَوْ بَغْلٍ، وَيَقْتَصِرُونَ عَلَى أَكْلِ الْأَنْعَامِ، وَالْخَيْلِ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ، وَلَا يُحَرِّمُونَ حَيَوَانًا أَصْلًا - وَأُمًّا الْيَهُودُ، وَالصَّابِئُونَ: فَلَا يَأْكُلُونَ شَيْئًا ذَكَّاهُ غَيْرُهُمْ أَصْلًا - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
وَاحْتَجُّوا فِي إبَاحَتِهِمْ قَتْلَ كُلِّ ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلا إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: ١٢٠] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا لَهُمْ: فَاقْتُلُوا أَوْلَادَهُمْ، وَصِغَارَهُمْ، وَنِسَاءَهُمْ، بِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ فَهُوَ بِلَا شَكٍّ أَغِيظُ لَهُمْ مِنْ قَتْلِ حَيَوَانِهِمْ؟ فَقَالُوا: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ، وَالصِّبْيَانِ. فَقُلْنَا لَهُمْ: وَهُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ، إلَّا لِمَأْكَلِهِ، وَلَا فَرْقَ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - أَنْ نَغِيظَهُمْ فِيمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ لَا بِمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا فِعْلُهُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ - عَنْ صُهَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَا مِنْ إنْسَانٍ يَقْتُلُ عُصْفُورًا فَمَا فَوْقَهَا بِغَيْرِ حَقِّهَا إلَّا سَأَلَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - عَنْهَا. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قَالَ يَذْبَحُهَا فَيَأْكُلُهَا وَلَا يَقْطَعُ رَأْسَهَا يَرْمِي بِهِ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute