للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا الْكُوزِ، فَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِ الرَّغِيفِ، وَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا فُتَاتُهُ، وَلَا بِشُرْبِ بَعْضِ مَا فِي الْكُوزِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ، فَأَكَلَهُ كُلَّهُ إلَّا فُتَاتَهُ وَغَابَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ حَنِثَ - وَهَكَذَا فِي الرُّمَّانَةِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ فِي الْعَالَمِ لَا يَحْنَثُ بِبَعْضِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: يَحْنَثُ بِأَكْلِ بَعْضِهِ وَشُرْبِ بَعْضِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: نَسْأَلُهُمْ عَنْ رَجُلٍ أَكَلَ بَعْضَ رَغِيفٍ لِزَيْدٍ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَكَلَ رَغِيفَ زَيْدٍ؟ أَصَادِقَانِ هُمَا أَمْ كَاذِبَانِ؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ إنَّهُمَا كَاذِبَانِ مُبْطِلَانِ، فَأَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْفُتْيَا بِالْكَذِبِ، وَبِالْبَاطِلِ، وَبِالْمُشَاهَدَةِ يُدْرَى فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ، لَمْ يَحْلِفْ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا، وَهُوَ إذَا أَبْقَى مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَالْأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ إلَّا بِنَصٍّ، وَلَا نَصَّ فِي صِحَّةِ قَوْلِهِمْ.

وَقَالَ قَائِلُهُمْ: الْحِنْثُ، وَالتَّحْرِيمُ، وَكِلَاهُمَا يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا يَدْخُلُ الْحِنْثُ وَالتَّحْرِيمُ لَا بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا بِأَغْلَظِهَا، وَلَا يَدْخُلُ التَّحْلِيلُ أَيْضًا لَا بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ، وَلَا بِأَغْلَظِهَا - وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ وَإِفْكٌ، وَلَا يَدْخُلُ الْحِنْثُ، وَالْبِرُّ، وَالتَّحْرِيمُ، وَالتَّحْلِيلُ؛ إلَّا حَيْثُ أَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: تَحْرِيمُ زَوْجَةِ الْأَبِ عَلَى الِابْنِ يَدْخُلُ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ؟ فَقُلْنَا لَهُمْ: نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ فَرْجُ هَذِهِ الْمَرْأَةِ حَرَامًا عَلَى الْأَبِ، كَمَا هِيَ عَلَى الِابْنِ، ثُمَّ دَخَلَ التَّحْلِيلُ لِلْأَبِ بِأَرَقِّ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ وَحْدَهُ - فَأَيْنَ قَوْلُكُمْ: إنَّ التَّحْلِيلَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ؟ وَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ بِمَا لَا يُعْقَلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَقَالُوا: وَالتَّحْلِيلُ لَا فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَغْلَظِ الْأَسْبَابِ - وَهُوَ الْعَقْدُ، وَالْوَطْءُ؟ فَقُلْنَا: نَقَضْتُمْ قَوْلَكُمْ قُولُوا بِقَوْلِ الْحَسَنِ، وَإِلَّا فَقَدْ أَفْسَدْتُمْ بُنْيَانَكُمْ، لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا إلَّا بِالْعَقْدِ، وَالْوَطْءِ، وَالْإِنْزَالِ فِيهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَهَذَا أَغْلَظُ الْأَسْبَابِ وَالْقَوْمُ فِي لَا شَيْءَ - وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلَامَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>