يُحْرِمْ كَمَا أُمِرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِحْرَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ صَيْدٍ، وَهَذَا الْإِحْرَامُ هُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ الْإِحْرَامِ الَّذِي فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَمْ يَأْتِ بِالْإِحْرَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ تَعَمُّدَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ فُسُوقٌ، وَمَنْ فَسَقَ فِي حَجِّهِ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ، وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَحُجَّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي نَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نَا عَبْدُ الْوَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ - وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] فَسَمَّاهُمْ: حُرُمًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُمْ عَظِيمٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: حُرُمًا، قَبْلَ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَنَهَاهُمْ إذَا كَانُوا حُرُمًا عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ، وَمَا سَمَّاهُمْ تَعَالَى قَطُّ بَعْدَ قَتْلِ الصَّيْدِ: حُرُمًا فَأُفٍّ لِكُلِّ عَصَبِيَّةٍ لِمَذْهَبٍ تَحْدُو إلَى الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] فَأَثْبَتَ الْحَجَّ وَنَهَى فِيهِ عَنْ الرَّفَثِ فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لَا يُبْطِلُوا الْحَجَّ بِالْجِمَاعِ الَّذِي هُوَ الرَّفَثُ، وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَلَا فَرْقَ: وَإِنَّمَا جَعَلَهُمْ تَعَالَى فِي الْحَجِّ مَا لَمْ يَرْفُثُوا وَلَا فَسَقُوا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ أَوْجَبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الضَّبُعِ كَبْشًا وَلَمْ يُخْبِرْ بِأَنَّ إحْرَامَهُ بَطَلَ؟ قُلْنَا لَهُمْ: قُلْتُمْ الْبَاطِلَ، بَلْ قَدْ أَخْبَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ إحْرَامَهُ قَدْ بَطَلَ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
وَأَيْضًا: فَلَمْ يَقُلْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَطُّ: إنَّ إحْرَامَهُ لَمْ يَبْطُلْ؛ وَلَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى ذَلِكَ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute