وَلَا قَالَ - إذْ أَقَامَ بِتَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ: إنِّي إنَّمَا قَصَرْت لِأَنِّي فِي جِهَادٍ.
فَمَنْ قَالَ: شَيْئًا مِنْ هَذَا فَقَدْ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ.
فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَوْلَا مُقَامُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي تَبُوكِ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ، وَبِمَكَّةَ دُونَ ذَلِكَ يَقْصُرُ -: لَكَانَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي يَوْمٍ يَكُونُ فِيهِ الْمَرْءُ مُسَافِرًا، وَلَكَانَ مُقِيمُ يَوْمٍ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ.
لَكِنْ لَمَّا أَقَامَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِشْرِينَ يَوْمًا بِتَبُوكِ يَقْصُرُ صَحَّ بِذَلِكَ أَنَّ عِشْرِينَ يَوْمًا إذَا أَقَامَهَا الْمُسَافِرُ فَلَهُ فِيهَا حُكْمُ السَّفَرِ، فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ أَوْ نَوَى إقَامَةً أَكْثَرَ فَلَا بُرْهَانَ يُخْرِجُ ذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْإِقَامَةِ أَصْلًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَصَّ الْإِقَامَةَ فِي الْجِهَادِ بِعِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ فِيهَا، وَبَيْنَ مَنْ خَصَّ بِذَلِكَ بِتَبُوكَ دُونَ سَائِرِ الْأَمَاكِنِ، وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصُّ قُرْآنٍ وَلَا سُنَّةٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ بِخِلَافِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَصٌّ أَصْلًا، وَالْقِيَاسُ لَا يَجُوزُ، فَمَنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصُومُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ] .
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَقَامَ فِي مَكَان يَنْوِي خُرُوجًا غَدًا أَوْ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَلَوْ أَقَامَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: وَكَذَلِكَ لَوْ نَوَى خُرُوجًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يَقْصُرُ وَيُفْطِرُ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيَقْصُرُ، وَإِنْ نَوَى: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا: قَصَرَ، وَلَوْ بَقِيَ كَذَلِكَ أَعْوَامًا -؟
قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ إسْقَاطُ أَبِي حَنِيفَةَ النِّيَّةَ حِينَ افْتَرَضَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ، وَغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَالْحَيْضِ وَبَقَائِهِ فِي رَمَضَانَ يَنْوِي الْفِطْرَ إلَى قَبْلِ زَوَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute