قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لَا حُجَّةَ لِقَائِلِهَا، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفٍ لَهُ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ لَا سِيَّمَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
فَإِنْ تَعَلَّقَ مِنْ يَحُدُّ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ بِأَنَّ أَهْلَ الْعَوَالِي كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قُلْنَا: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَهِيَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا، بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أُذِنَ لَهُمْ فِي أَنْ لَا يُصَلُّوهَا مَعَهُ.
وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ قَالَ: شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْهَا، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَلْيَرْجِعْ، فَقَدْ أَذِنْت لَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَذِنَ لَهُمْ فِي تَرْكِهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ -: فَإِنَّ النِّدَاءَ قَدْ لَا يَسْمَعُهُ لِخَفَاءِ صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ - أَوْ لِحَمْلِ الرِّيحِ لَهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى، أَوْ لِحَوَالَةٍ رَابِيَةٍ مِنْ الْأَرْضِ دُونَهُ مَنْ كَانَ قَرِيبًا جِدًّا، وَقَدْ يَسْمَعُ عَلَى أَمْيَالٍ كَثِيرَةٍ إذَا كَانَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْمَنَارِ وَالْقَرْيَةُ فِي جَبَلٍ، وَالْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا وَالرِّيحُ تَحْمِلُ صَوْتَهُ؟ وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ «قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَجِبْ» أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُ بِالْإِجَابَةِ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ الْمَدْعُوِّ إلَيْهَا، لَا مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute