قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ قِيلَ: قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ الْكَلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ، وَصَحَّ الْأَمْرُ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِ، وَبِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْعُطَاسِ وَتَشْمِيتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَرَدِّهِ، فَقَالَ قَوْمٌ: إلَّا فِي الْخُطْبَةِ، وَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: بِالْإِنْصَاتِ فِي الْخُطْبَةِ إلَّا عَنْ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَالْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَالرَّدِّ، فَمَنْ لَكُمْ بِتَرْجِيحِ اسْتِثْنَائِكُمْ وَتَغْلِيبِ اسْتِعْمَالِكُمْ لِلْأَخْبَارِ عَلَى اسْتِثْنَاءِ غَيْرِكُمْ وَاسْتِعْمَالِهِ لِلْأَخْبَارِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَجْمَعْتُمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ؟
قُلْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: قَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ أَنَّهُ «لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَالْقِيَاسُ لِلْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بَاطِلٌ، إذْ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا إجْمَاعٌ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْخُطْبَةَ يَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الْخَطِيبِ بِالْكَلَامِ وَمُجَاوَبَتِهِ، وَابْتِدَاءُ ذِي الْحَاجَةِ لِلَّهِ بِالْمُكَالَمَةِ وَجَوَابِ الْخَطِيبِ لَهُ، عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا، وَكُلُّ هَذَا لَيْسَ هُوَ فَرْضًا، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ.
وَيَجُوزُ فِيهَا ابْتِدَاءُ الدَّاخِلِ بِالصَّلَاةِ تَطَوُّعًا.
فَصَحَّ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَأْمُورَ بِهِ مُغَلَّبٌ عَلَى الْإِنْصَاتِ فِيهَا، لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ جَوَازُهُ -: أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الْمُبَاحُ جَائِزًا فِيهَا وَيَكُونُ الْكَلَامُ الْفَرْضُ الْمَأْمُورُ بِهِ الَّذِي لَا يَحِلُّ تَرْكُهُ فِيهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ -: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ثنا الْفَرَبْرِيُّ ثنا الْبُخَارِيُّ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا أَبُو عَمْرٍو هُوَ الْأَوْزَاعِيُّ - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «بَيْنَمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا، فَرَفَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute