قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاتِهِمَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ اعْتِرَاضٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَفِيهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مِنْ جَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ أَوْ قَدْ خَرَجَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ» .
ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: قُولُوا لَنَا: هَلْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَلِكَ بِحَقٍّ أُمّ بِبَاطِلٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ، كَفَرُوا.
وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ أَبْطَلُوا مَذْهَبَهُمْ، وَلَزِمَهُمْ الْأَمْرُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّ أَنَّهُمَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ حَالٍ، إذْ لَا يَأْمُرُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ إلَّا بِحَقٍّ.
ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: إذْ قُلْتُمْ هَذَا فَتَقُولُونَ أَنْتُمْ بِهِ فَتَأْمُرُونَ مَنْ دَخَلَ بِهَيْئَةٍ بَذَّةٍ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِأَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ لِيُفْطَنَ لَهُ فَيُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ؟ أَمْ لَا تَرَوْنَ ذَلِكَ؟ إنْ قَالُوا: نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ تَرَكُوا مَذْهَبَهُمْ.
وَإِنْ قَالُوا: لَسْنَا نَأْمُرُهُ بِذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُمْ: فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي تَوْجِيهِكُمْ لِلْخَبَرِ الثَّابِتِ وُجُوهًا أَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا، وَعَاصُونَ لِلْخَبَرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ؟ وَهَلْ هَهُنَا إلَّا إيهَامُ الضُّعَفَاءِ الْمُغْتَرِّينَ الْمَحْرُومِينَ أَنَّكُمْ أَبْطَلْتُمْ حُكْمَ الْخَبَرِ وَصَحَّحْتُمْ بِذَلِكَ قَوْلَكُمْ؟ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ بِالضِّدِّ، بَلْ هُوَ عَلَيْكُمْ - وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا لَمْ يَجُزْ ابْتِدَاءُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ دَعْوَى فَاسِدَةٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا، وَلَا قَضَاهَا رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، بَلْ قَدْ فَرَّقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَيْنَهُمَا، بِأَنْ أَمَرَ مَنْ حَضَرَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ، وَأَمَرَ الدَّاخِلَ بِالصَّلَاةِ، فَالْمُعْتَرِضُ عَلَى هَذَا مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، فَالْمُتَطَوِّعُ جَائِزٌ لِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ وَلِمَنْ دَخَلَ مَا لَمْ تَقُمْ الْإِقَامَةُ لِلصَّلَاةِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute