للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا جَرِيرٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ - عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ - عَنْ الْحَكَمِ هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «وَقَصَتْ بِرَجُلٍ مُحْرِمٍ نَاقَتُهُ فَقَتَلَتْهُ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: اغْسِلُوهُ وَكَفِّنُوهُ وَلَا تُغَطُّوا رَأْسَهُ وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يُهِلُّ» .

فَهَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ، لِأَنَّهُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً، رَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ، وَأَبُو عَوَانَةَ، وَمَنْصُورٌ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ. وَرَوَاهُ قَبْلَهُمْ أَبُو بِشْرٍ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَالْحَكَمُ، وَأَيُّوبُ، وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ كُلُّهُمْ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُ شَهِدَ الْقِصَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، آخِرَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَحَّتْ أَلْفَاظُ هَذَا الْخَبَرِ كُلُّهَا، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْهَا

، وَأَمَرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ فِي مُحْرِمٍ سُئِلَ عَنْهُ، وَالْمُحْرِمُ يَعُمُّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالْبَعْثُ وَالتَّلْبِيَةُ يَجْمَعُهُمَا، وَبِهِمَا جَاءَ الْأَثَرُ، وَالسَّبَبُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْحُكْمِ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّكُمْ تُجِيزُونَ لِلْمُحْرِمِ الْحَقَّ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ، وَتَمْنَعُونَ ذَلِكَ الْمَيِّتَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، لِلنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ الِاعْتِرَاضُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْ الْمُحْرِمَ الْحَيَّ بِكَشْفِ وَجْهِهِ، وَأَمَرَ بِذَلِكَ فِي الْمَيِّتِ، فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: ٣] {إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٤]

وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ لَا يُفَرِّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ؟ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ وَجَدُوا ذَلِكَ أَمْ فِي أَيِّ دَلِيلِ عَقْلٍ؟

ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ قَائِلِينَ بِهَذَا نَفْسِهِ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُحْرِمِ الْحَيِّ وَالْمُحْرِمِ الْمَيِّتِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَيُنْكِرُونَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا: خُصُوصٌ لِذَلِكَ الْمُحْرِمِ. فَقُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ مِنْكُمْ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا أَفْتَى بِذَلِكَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ إذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>