للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بُنْدَارٌ ثنا غُنْدَرٌ ثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لَيْسَ فِي الْخَيْلِ زَكَاةٌ؛ وَلَا فِي الْإِبِلِ الْعَوَامِلِ زَكَاةٌ؛ وَلَيْسَ فِي الزَّبِيبِ: شَيْءٌ. فَهَؤُلَاءِ: شُرَيْحٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، لَا يَرَوْنَ فِي الزَّبِيبِ زَكَاةً.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَيْسَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ؛ عَلَى عُمُومِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ «فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ» أَوْ قَوْلِنَا، وَهُوَ لَا زَكَاةَ إلَّا فِيمَا أَوْجَبَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاسْمِهِ، عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ حَبٍّ وَلَا تَمْرٍ صَدَقَةٌ» .

وَأَمَّا مَنْ أَسْقَطَ مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ مَا يَقْتَضِيهِ عُمُومُهُ، وَزَادَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ -: فَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا بِرِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ لَا مُخَالِفَ لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِتَعْلِيلٍ مُطَّرِدٍ؛ بَلْ خَالَفُوا كُلَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ رَاعَوْا الْقُوتَ، فَقَدْ أَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَقْوَاتِ: كَالتِّينِ، وَالْقَسْطَلِ، وَاللَّبَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبُوهُ فِيمَا لَيْسَ قُوتًا: كَالزَّيْتِ وَالْحِمَّصِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُتَقَوَّتُ إلَّا لِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ.

وَإِنْ رَاعَوْا الْأَكْلَ فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُؤْكَلُ، وَأَوْجَبَهَا بَعْضُهُمْ فِيمَا لَا يُؤْكَلُ: كَزَيْتِ الْفُجْلِ وَالْقُطْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَإِنْ رَاعَوْا مَا يُوسَقُ، فَقَدْ أَسْقَطُوهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يُوسَقُ.

ثُمَّ أَيْضًا - لَوْ رَاعَوْا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي وَطَرَدُوا أَصْلَهُمْ لَكَانُوا قَائِلِينَ بِلَا بُرْهَانٍ؛ لَكِنْ بِدَعْوَى فَاسِدَةٍ وَظَنٍّ كَاذِبٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» .

فَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا أَحَدُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ؛ فَإِنَّ قَوْلَ مَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ مَا أَنْبَتَتْ الْأَرْضُ حَرَجٌ شَدِيدٌ، وَشِقُّ الْأَنْفُسِ، وَعُسْرٌ لَا يُطَاقُ.

وَالْأَخْذُ بِذَلِكَ الْخَبَرِ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، وَمُمْتَنِعٌ لَا يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا يَنْبُتَ فِي دَارِ أَحَدٍ، أَوْ فِي قِطْعَةِ أَرْضٍ لَهُ: عُشْبٌ، وَلَوْ أَنَّهُ وَرَقَةٌ وَاحِدَةٌ، أَوْ نَرْجِسَةُ، أَوْ فُولٌ، أَوْ غُصْنُ حُرْفٍ أَوْ بَهَارَةٌ أَوْ تِينَةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ عُشْرُ كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>