خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ، وَفِيمَا دُونِ مِقْدَارِهَا مِنْ الذَّهَبِ، وَلَمْ يُوجِبْ - بِلَا خِلَافٍ - زَكَاةً فِي شَيْءٍ مِنْ أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ، فَمَنْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ الْمَمْزُوجَةِ بِالنُّحَاسِ، أَوْ الْحَدِيدِ، أَوْ الرَّصَاصِ، أَوْ الْقَزْدِيرِ؛ فَقَدْ خَالَفَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّتَيْنِ -:
إحْدَاهُمَا - فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الرَّقَّةِ.
وَالثَّانِيَةُ - فِي إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي أَعْيَانِ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا إذْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي: الصُّفْرِ، وَالرَّصَاصِ، وَالْقَزْدِيرِ، وَالْحَدِيدِ، إذَا مُزِجَ شَيْءٌ مِنْهَا بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، وَأَسْقَطُوا الزَّكَاةَ عَنْهَا إذَا كَانَتْ صِرْفًا وَهَذَا تَحَكُّمٌ لَا يَحِلُّ.
وَأَيْضًا: فَنَسْأَلُهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَادِنِ مُزِجَ بِفِضَّةٍ، أَوْ ذَهَبٍ، فَكَانَ الْمَمْزُوجُ مِنْهَا أَكْثَرَ مِنْ الذَّهَبِ، وَمِنْ الْفِضَّةِ. ثُمَّ لَا نَزَالُ نَزِيدُهُمْ إلَى أَنْ نَسْأَلَهُمْ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُلِّ دِرْهَمٍ فَلْسُ فِضَّةٍ فَقَطْ وَسَائِرُهَا نُحَاسٌ. فَإِنْ جَعَلُوا فِيهَا الزَّكَاةَ أَفْحَشُوا جِدًّا، وَإِنْ أَسْقَطُوهَا سَأَلْنَاهُمْ عَنْ الْحَدِّ الَّذِي يُوجِبُونَ فِيهِ الزَّكَاةَ وَاَلَّذِي يُسْقِطُونَهَا فِيهِ. فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِالْبَاطِلِ، وَإِنْ لَمْ يَحُدُّوا حَدًّا كَانُوا قَدْ خَلَطُوا مَا يُحَرِّمُونَ بِمَا يُحِلُّونَ؛ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِأَنْفُسِهِمْ وَلَا لِمَنْ اتَّبَعَهُمْ الْحَرَامَ فَيَجْتَنِبُوهُ، مِنْ الْحَلَالِ فَيَأْتُوهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا، هُوَ أَنَّ الْأَسْمَاءَ فِي اللُّغَةِ وَالدِّيَانَةِ وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُسَمَّيَاتِ بِصِفَاتٍ مَحْمُولَةٍ فِيهَا؛ فَلِلْفِضَّةِ صِفَاتُهَا الَّتِي إذَا وُجِدَتْ فِي شَيْءٍ سُمِّيَ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِضَّةً؛ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي اسْمِ الذَّهَبِ وَاسْمِ النُّحَاسِ وَاسْمِ كُلِّ مُسَمًّى فِي الْعَالَمِ. وَأَحْكَامُ الدِّيَانَةِ إنَّمَا جَاءَتْ عَلَى الْأَسْمَاءِ؛ فَلِلْفِضَّةِ حُكْمُهَا، وَلِلذَّهَبِ حُكْمُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute