للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا مَا مَوَّهَ بِهِ الْحَنَفِيُّونَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَفِعْلِ الصَّحَابَة؛ وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ -: أَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنَّ كُلَّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ صَدَقَةٌ، وَإِنَّمَا فِيهَا {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: ١٠٣] فَلَوْ لَمْ يَرِدْ إلَّا هَذَا النَّصُّ وَحْدَهُ لَأَجْزَأَ فَلْسٌ وَاحِدٌ عَنْ جَمِيعِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ صَدَقَةٌ أُخِذَتْ مِنْ أَمْوَالِهِ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الْآيَةِ أَنَّ فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْوَالِ صَدَقَةً وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ، وَلَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ، وَلَا مَتَى تُؤْخَذُ تِلْكَ الصَّدَقَةُ.

وَمِثْلُ هَذَا لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ فِيهِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورِ بِالْبَيَانِ، قَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى حَقًّا فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَلَا مُبَيَّنَ الْمِقْدَارِ؛ وَلَا مَدْخَلَ لِلزَّكَاةِ فِي ظُهُورِ الْخَيْلِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ.

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ إنَّمَا هُوَ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ حُمِلَ عَلَى مَا طَابَتْ نَفْسُهُ مِنْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَارِيَّةُ ظُهُورِهَا لِلْمُضْطَرِّ.

وَأَمَّا فِعْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَدْ خَالَفُوهُمَا، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ الذُّكُورِ وَلَوْ كَثُرَتْ وَبَلَغَتْ أَلْفَ فَرَسٍ فَإِنْ كَانَتْ إنَاثًا، أَوْ إنَاثًا وَذُكُورًا، سَائِمَةً غَيْرَ مَعْلُوفَةٍ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَصِفَةُ تِلْكَ الزَّكَاةِ أَنَّ صَاحِبَ الْخَيْل مُخَيَّرٌ، إنْ شَاءَ أَعْطَى عَنْ كُلِّ فَرَسٍ مِنْهَا دِينَارًا أَوْ عَشَرَة دَرَاهِمَ؛ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا فَأَعْطَى مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خِلَافُ فِعْلِ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا فِعْلَ عُمَرَ فِي أَخْذِهِ الزَّكَاةَ مِنْ الرَّقِيقِ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ لِذِي عَقْلٍ وَدِينٍ أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَ فِعْلِ عُمَرَ حُجَّةً وَبَعْضَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.

وَخَالَفُوا عَلِيًّا فِي إسْقَاطِ زَكَاةِ الْخَيْلِ جُمْلَةً، وَأَتَوْا بِقَوْلٍ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُمْ؛ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>