وَقَدْ قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ؛ فَلَوْ كَانَتْ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ، أَوْ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - زَكَاةٌ إذَا كَانَ لِتِجَارَةٍ -: لَبَيَّنَ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ؛ فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا زَكَاةَ فِيهَا أَصْلًا. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرْضٍ كَحُكْمِ الْخَيْلِ، وَالْحَمِيرِ، وَالرَّقِيقِ، وَمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ، وَالْعَيْنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فَمِنْ مُوجِبِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ إذَا كَانَ لِلتِّجَارَةِ، وَمِنْ مَسْقَطٍ لِلزَّكَاةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ.
وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ، وَلَا فِي الرَّقِيقِ، وَلَا فِي الْحَمِيرِ، وَلَا فِيمَا دُونَ النِّصَابِ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ؛ وَصَحَّ الْإِجْمَاعُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ عَرَضٍ فِي التِّجَارَةِ كَحُكْمِ هَذِهِ. فَصَحَّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ. وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْعُرُوضِ.
ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ لِلتِّجَارَةِ فَفِيهَا زَكَاةٌ؛ وَهَذِهِ دَعْوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَجْمَعَ الْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلَا بُرْهَانٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلَا فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ. قُلْنَا: وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ، وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَالْخَيْلُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالْإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute