وَفِي الْبَقَرِ مِثْلُ الْإِبِلِ» .
وَبِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ الْأَمْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّبِيعِ: نُسِخَ بِهَذَا.
وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ الْخَبَرِ «مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إلَّا بُطِحَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا: فَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ إلَّا مَا خَصَّهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ.
وَقَالُوا: مَنْ عَمِلَ مِثْلَ قَوْلِنَا كَانَ عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ؛ وَمَنْ خَالَفَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنَّ مَا وَجَبَ بِيَقِينٍ لَمْ يَسْقُطْ إلَّا بِمِثْلِهِ؟ وَقَالُوا: قَدْ وَافَقْنَا أَكْثَرَ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ الْبَقَرَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ كَالْبَدَنَةِ؛ وَأَنَّهَا تُعَوَّضُ مِنْ الْبَدَنَةِ، وَأَنَّهَا لَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ مِنْ هَذِهِ إلَّا مَا يُجْزِئُ مِنْ تِلْكَ، وَأَنَّهَا تُشْعَرُ إذَا كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ كَالْبُدْنِ؛ فَوَجَبَ قِيَاسُ صَدَقَتِهَا عَلَى صَدَقَتِهَا.
وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ نِصَابًا مَبْدَؤُهُ ثَلَاثُونَ؛ لَكِنْ إمَّا خَمْسَةٌ كَالْإِبِلِ، وَالْأَوَاقِي، وَالْأَوْسَاقِ، وَإِمَّا أَرْبَعُونَ كَالْغَنَمِ، فَكَانَ حَمْلُ الْبَقَرِ عَلَى الْأَكْثَرِ - وَهُوَ الْخَمْسَةُ - أَوْلَى.
وَقَالُوا: إنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ «فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ» فَنَعَمْ، نَحْنُ نَقُولُ: بِهَذَا، أَوْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ عَمَّا دُونَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِدَلِيلٍ.
قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَحُكْمُهُ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَهَؤُلَاءِ فُقَهَاءُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَيَلْزَمُ الْمَالِكِيِّينَ اتِّبَاعَهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ فِي عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute