الزُّهْرِيِّ: إنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِهَا نَسْخُ إيجَابِ التَّبِيعِ، وَالْمُسِنَّةِ: فِي الثَّلَاثِينَ وَالْأَرْبَعِينَ؛ فَلَوْ قُبِلَ مُرْسَلُ أَحَدٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَحَقَّ بِذَلِكَ لِعِلْمِهِ بِالْحَدِيثِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.
وَلَمْ يَحْكِ الْقَوْلَ فِي الثَّلَاثِينَ بِالتَّبِيعِ، وَفِي الْأَرْبَعِينَ بِالْمُسِنَّةِ إلَّا عَنْ أَهْلِ الشَّامِ، لَا عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَوَافَقَ الزُّهْرِيَّ عَلَى ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرُهُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ؛ فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ الْقَوْلَ بِهَذَا أَوْ إفْسَادَ أُصُولِهِمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَلَوْ صَحَّ - وَأُسْنِدَ - مَا خَالَفْنَاهُ أَصْلًا - وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِعُمُومِ الْخَبَرِ «مَا مِنْ صَاحِبِ بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا وَلَا يَفْعَلُ فِيهَا حَقَّهَا» وَقَوْلَهُمْ: إنَّ هَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ بَقَرٍ -: فَإِنَّ هَذَا لَازِمٌ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْمُحْتَجِّينَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعُرُوضِ بِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] الْآيَةُ وَالْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ وَسَائِرِ مَا احْتَجُّوا فِيهِ بِمِثْلِ هَذَا، لَا مُخَلِّصَ لَهُمْ مِنْهُ أَصْلًا؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا حُجَّةَ عَلَيْنَا بِهَذَا؛ لِأَنَّنَا - وَإِنْ كُنَّا لَا يَحِلُّ عِنْدَنَا مُفَارِقَةُ الْعُمُومِ إلَّا لِنَصٍّ آخَرَ - فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شَرْعُ شَرِيعَةٍ إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، وَنَحْنُ نُقِرُّ وَنَشْهَدُ أَنَّ فِي الْبَقَرِ زَكَاةً مَفْرُوضَةً يُعَذِّبُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لَمْ يُؤَدِّهَا الْعَذَابَ الشَّدِيدَ، مَا لَمْ يَغْفِرْ لَهُ بِرُجُوحِ حَسَنَاتِهِ أَوْ مُسَاوَاتِهَا لِسَيِّئَاتِهِ، إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ مِنْهَا، وَلَا بَيَانَ الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا، وَلَا مَتَى تُؤَدَّى؛ وَلَيْسَ الْبَيَانُ لِلدِّيَانَةِ مَوْكُولًا إلَى الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ؛ بَلْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي قَالَ لَهُ رَبُّهُ وَبَاعِثُهُ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] .
وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَوْجَبُوهُ فِي الْخَمْسِ فَصَاعِدًا مِنْ الْبَقَرِ، وَقَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الْبَقَرِ زَكَاةٌ؛ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ عَنْ إيجَابِ فَرْضِ ذَلِكَ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْعُمُومِ هَاهُنَا، وَلَوْ كَانَ عُمُومًا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ لَمَا خَالَفْنَاهُ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ مَنْ زَكَّى الْبَقَرَ - كَمَا قَالُوا - فَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى فَرْضَهُ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ وَمَنْ لَمْ يُزَكِّهَا - كَمَا قَالُوا - فَلَيْسَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ؛ وَأَنَّ مَا صَحَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute