للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخَلِيطَيْنِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - هُمَا مَا اخْتَلَطَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ؛ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَلِيطَانِ مِنْ النَّبِيذِ بِهَذَا الِاسْمِ، وَأَمَّا مَا لَمْ يَخْتَلِطْ غَيْرُهُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ، قَالُوا: فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ فِي الْمَالِ إلَّا الشِّرْكَيْنِ فِيهِ اللَّذَيْنِ لَا يَتَمَيَّزُ مَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ، قَالُوا: فَإِذَا كَانَ خَلِيطَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَاءَ الْمُصَدِّقُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ قِسْمَتَهَا لِمَالِهِمَا، وَلَعَلَّهُمَا لَا يُرِيدَانِ الْقِسْمَةَ، وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ زَكَاتَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ؛ كَائِنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ، وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي جَمِيعِهَا، فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ؛ وَقَدْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثَا كُلِّ شَاةٍ مِنْهُمَا وَلِلْآخَرِ ثُلُثُهَا، فَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ تِسْعٌ وَثَلَاثُونَ، وَلِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَاسْتَوَتْ دَعْوَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ، وَلَمْ تَكُنْ لِإِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْأُخْرَى فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا تَأْوِيلَ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَأَتْ أَنَّ الْخُلْطَةَ لَا تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصَحَّ؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورِ مُتَّفَقٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ؛ فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ؛ وَصَحَّ تَأْوِيلُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ؛ فَهَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ؟ وَوَجَدْنَا أَيْضًا الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ: «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ» وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَا صَدَقَةَ عَلَيْهِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَيْءٌ» وَسَائِرُ مَا نَصَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ، وَالْإِبِلِ، مِنْ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ [مِنْ الْإِبِلِ] بِنْتُ مَخَاضٍ، وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ يُحِلْ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ قَدْ أَخَذَ بِجَمِيعِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا، وَوَجَدْنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>