للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ فَرْجَيْهِمَا فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالصَّدَاقِ وَالْحَدِّ، وَلَأَنْكَرَ الْمَالِكِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ تَفْرِيقَهُمْ بَيْنَ حُكْمِ التَّمْرِ وَحُكْمِ الْبُسْرِ فِي الْعَرَايَا. وَهَؤُلَاءِ الْمَالِكِيُّونَ يُفَرِّقُونَ مَعَنَا بَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ الْكَلْبُ لِسَانَهُ وَبَيْنَ مَا أَدْخَلَ فِيهِ ذَنَبَهُ الْمَبْلُولَ مِنْ الْمَاءِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ بَوْلِ الْبَقَرَةِ وَبَوْلِ الْفَرَسِ، وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ، بَلْ أَشْنَعُ مِنْ ذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ خُرْءِ الدَّجَاجَةِ الْمُخَلَّاةِ وَخُرْئِهَا إذَا كَانَتْ مَقْصُورَةً وَبَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ إذَا شَرِبَتْ مَاءً نَجِسًا وَبَيْنَ بَوْلِهَا إذَا شَرِبَتْ مَاءً طَاهِرًا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْفُولِ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، فَجَعَلُوهُ فِي الزَّكَاةِ مَعَ الْجُلُبَّانِ صِنْفًا وَاحِدًا، وَجَعَلُوهُمَا فِي الْبُيُوعِ صِنْفَيْنِ، وَكُلُّ ذِي عَقْلٍ يَدْرِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ بِنَصٍّ جَاءَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ أَوْضَحُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفُولِ أَمْسِ وَالْفُولِ الْيَوْمَ، وَبَيْنَ الْفُولِ وَنَفْسِهِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا دَلِيلٍ أَصْلًا.

وَهَؤُلَاءِ الشَّافِعِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي مَخْرَجِهِ مِنْ الْإِحْلِيلِ، فَجَعَلُوهُ يَطْهُرُ بِالْحِجَارَةِ، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْبَوْلِ نَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ إذَا بَلَغَ أَعْلَى الْحَشَفَةَ - فَجَعَلُوهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْمَاءِ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الرَّضِيعِ وَبَيْنَ غَائِطِهِ فِي الصَّبِّ وَالْغَسْلِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا هَهُنَا بِعَيْنِهِ. وَهَؤُلَاءِ الْحَنَفِيُّونَ فَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الشَّاةِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهَا، وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ نَفْسِهِ مِنْ بَوْلِهَا بِعَيْنِهَا فِي الثَّوْبِ فَلَا يُفْسِدُهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ بَوْلِ الْبَعِيرِ فِي الْبِئْرِ فَيُفْسِدُهُ وَلَوْ أَنَّهُ نُقْطَةً، فَإِنْ وَقَعَتْ بَعْرَتَانِ مِنْ بَعْرِ ذَلِكَ الْجَمَلِ فِي مَاءِ الْبِئْرِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ، وَهَذَا نَفْسُ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْنَا، وَفَرَّقُوا بَيْنَ رَوْثِ الْفَرَسِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَيُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَبَيْنَ بَوْلِ ذَلِكَ الْفَرَسِ نَفْسِهِ يَكُونُ فِي الثَّوْبِ فَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رُبُعَ الثَّوْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَشِبْرًا فِي شِبْرٍ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُفْسِدُهَا حِينَئِذٍ، وَزُفَرُ مِنْهُمْ يَقُولُ: بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ كُلُّهُ وَرَجِيعُهُ نَجَسٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَنْكَرُوا عَلَيْنَا. وَفَرَّقُوا بَيْنَ مَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْ الْقَلْسِ وَبَيْنَ مَا لَا يَمْلَأُ الْفَمَ مِنْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْبَوْلِ فِي الْجَسَدِ فَلَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ، وَبَيْنَ الْبَوْلِ فِي الثَّوْبِ فَيُزِيلُهُ غَيْرُ الْمَاءِ. وَلَوْ تَتَبَّعْنَا سَقَطَاتِهِمْ لَقَامَ مِنْهَا دِيوَانٌ.

فَإِنْ قَالُوا: مَنْ قَالَ بِقَوْلِكُمْ هَذَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبَائِلِ وَالْمُتَغَوِّطِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>