للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَكِنْ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ» «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ» وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا وَجَبَ فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ، لِعُمُومِ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ؟ وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لَا يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلَّا جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا» فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ عَمَّنْ لَا بَيَانَ فِي هَذَا النَّصِّ بِإِيجَابِهَا فِيهِ؛ وَهُوَ الْعَدَدُ وَالْوَقْتُ، لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا - بِلَا خِلَافٍ مِنْهَا أَصْلًا - عَلَى أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ، وَلَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ، فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ وَجَبَ أَنْ لَا يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا مَا صَحَّ عَنْهُ بِنَقْلِ آحَادٍ أَوْ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ؛ وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ قَطُّ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ إلَّا بَعْضَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ وَصِفَاتِهِ، فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحُلِيِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ، فَلَمْ تُوجِبُوا فِيهِ الزَّكَاةَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ؟ قُلْنَا لَهُمْ: لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا، وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا بِإِجْمَاعٍ، فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَخَصَّ الْإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الْأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الْأَزْمَانِ، فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلَّا فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ، وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا؛ إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، وَصَحَّ يَقِينًا - بِلَا خِلَافٍ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ، وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ " إلَّا الْحُلِيَّ " بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ وَلَا إجْمَاعٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>