وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ، وَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ، وَعَنْ عَطَاءٍ، وَرُوِّينَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ، وَعَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، فَحَصَلَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ، وَكَذَلِكَ مَا زَادَ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ إلَّا عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَمِثْلُ قَوْلِنَا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَسَّمَ ذَلِكَ تَقَاسِيمَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَهِيَ: أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ لَيْسَ عَنْ بَدَلٍ، أَوْ كَانَ عَنْ بَدَلِ مَا لَا يَمْلِكُ، كَالْمِيرَاثِ، وَالْمَهْرِ، وَالْجُعْلِ، وَدِيَةِ الْخَطَأِ، وَالْعَمْدِ إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا، وَالْخُلْعِ: أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ أَصْلًا حَتَّى يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلًا، وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَقَرْضِ الدَّرَاهِمِ وَفِيمَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي، وَثَمَنِ عَبْدِ التِّجَارَةِ -: فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ - كَانَ عَلَى ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ - حَتَّى يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ، ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُ، وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ يَبِيعُهَا -: قِسْمًا آخَرَ، فَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُهُ، فَمَرَّةً جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْمَهْرِ، وَمَرَّةً قَالَ: لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ، وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَا كَانَ عِنْدَ عَدِيمٍ أَوْ مَلِيءٍ إذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْلِيطٌ لَا خَفَاءَ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلًا، وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ، وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ، وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ، فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ؟ فَصَحَّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute