يَدْفَعَهَا؛ لِأَنَّهُ ابْتَاعَ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا الَّذِي ابْتَاعَ، وَلَمْ يُعْطِ الزَّكَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا، وَبِهَذَا نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ، وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] فَهُوَ قَدْ أَدَّى صَدَقَةَ مَالِهِ كَمَا أُمِرَ، وَبَاعَهَا الْآخِذُ كَمَا أُبِيحَ لَهُ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَكَرِهَهُ مَالِكٌ؛ وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ «عُمَرَ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَشْتَرِهِ، وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَاصِمِ الْأَحْوَلِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ " أَنَّ الزُّبَيْرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَدَ فَرَسًا مِنْ ضِئْضِئِهَا يَعْنِي مِنْ نَسْلِهَا - فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ، فَنُهِيَ "
وَنَحْوَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا يَصِحُّ، قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ فَرَسَ عُمَرَ - كَانَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ - حَمَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَصَارَ حَبْسًا فِي هَذَا الْوَجْهِ، فَبَيْعُهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا سُبِّلَ فِيهِ، وَلَا يَحِلُّ هَذَا أَصْلًا؛ فَابْتِيَاعُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرَيْنِ الْآخَرَيْنِ، لَوْ صَحَّا، لَا سِيَّمَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ نَهَى نِتَاجَهَا، وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَبْسِ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهُ وَكَانَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَبِيعُهَا إنْ شَاءَ - فَلَيْسَ ابْتِيَاعُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَوْدًا فِي صَدَقَتِهِ، لَا فِي اللُّغَةِ، وَلَا فِي الدِّيَانَةِ؛ لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ انْتِزَاعُهَا وَرَدُّهَا إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَإِبْطَالُ صَدَقَتِهِ بِهَا فَقَطْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute