وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ مِنْهَا -: أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا يُخْرِجُ كُلُّ أَحَدٍ مِمَّا يَأْكُلُ وَمِنْ قُوتِ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَقُلْنَا: هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلٍ بِلَا بُرْهَانٍ، ثُمَّ قَدْ نَقَضْتُمُوهَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْكُلُ الْخُبْزَ لَا الْحَبَّ: فَأَوْجَبُوا أَنْ يُعْطِيَ خُبْزًا لِأَنَّهُ هُوَ أَكَلَهُ، وَهُوَ قُوتُ أَهْلِ بَلَدِهِ، فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ. قُلْنَا: صَدَقْتُمْ، وَكَذَلِكَ مَا عَدَا التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ، وَقَالُوا: إنَّمَا خَصَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِالذَّكَرِ - التَّمْرَ، وَالشَّعِيرَ؛ لِأَنَّهُمَا كَانَا قُوتَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَوْلٌ فَاحِشٌ جِدًّا؛ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكْشُوفٌ، لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ قَوَّلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا لَمْ يَقُلْ؛ وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، وَيُقَالُ لَهُ: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ الْقَمْحَ، وَالزَّبِيبَ؛ فَسَكَتَ عَنْهُمَا وَقَصَدَ إلَى التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؛ أَنَّهُمَا قُوتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا لَا يَعْلَمْنَهُ إلَّا مَنْ أَخْبَرَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ وَحَيٌّ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا: فَلَوْ صَحَّ لَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ لَا يَلْزَمُ إلَّا أَهْلَ الْمَدِينَةِ فَقَطْ، وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَلِمَ وَأَنْذَرَ بِذَلِكَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَفْتَحُ لَهُمْ الشَّامَ، وَالْعِرَاقَ، وَمِصْرَ، وَمَا وَرَاءَ الْبِحَارِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَلْبِسَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْبِلَادِ دِينَهُمْ؟ فَيُرِيدُ مِنْهُمْ أَمْرًا وَلَا يَذْكُرُهُ لَهُمْ وَيَلْزَمُهُمْ بِكَلَامِهِ مَا لَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّمْرِ، وَالشَّعِيرِ؟ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الظَّنِّ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَطِ، وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ لَا تَصِحُّ -: مِنْهَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ: صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ» وَالْحَارِثُ ضَعِيفٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلَّا الْأَقِطُ لَا سَائِرَ مَا يُجِيزُونَ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute