وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ - فِي أَشْهَرِ رِوَايَاتِهِمْ عَنْهُ - جَعَلَ الزَّبِيبَ كَالْبُرِّ فِي أَنَّهُ يُجْزِئُ مِنْهُ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَمْ يُجِزْ الْأَقِطَ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَلَا أَجَازَ غَيْرَ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ وَدَقِيقِهِمَا وَسَوِيقِهِمَا، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ فَقَطْ إلَّا بِالْقِيمَةِ، وَهَذَا خِلَافٌ لِبَعْضِ هَذِهِ الْآثَارِ وَخِلَافٌ لِجَمِيعِهَا فِي إجَازَةِ الْقِيمَةِ، وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إطْبَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ رَاوِيَ الْخَبَرِ إذَا تَرَكَهُ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ الْخَبَرِ، كَمَا فَعَلُوا فِي خَبَرِ «غَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا» .
وَقَدْ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ الرُّقِيُّ عَنْ مَخْلَدٍ هُوَ ابْنُ الْحُسَيْنِ - عَنْ هِشَامٍ هُوَ ابْنُ حَسَّانَ - عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَقَالَ " صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعٌ مِنْ سُلْتٍ ".
فَهَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ خَالَفَ مَا رُوِيَ بِأَصَحَّ إسْنَادٍ يَكُونُ عَنْهُ فَوَاجِبٌ عَلَيْهِمْ رَدُّ تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَإِلَّا فَقَدْ نَقَضُوا أَصْلَهُمْ. وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا صَحِيحًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: " كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ؛ أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ "
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا غَيْرُ مُسْنَدٍ، وَهُوَ أَيْضًا مُضْطَرِبٌ فِيهِ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ.
فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ثنا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ [حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ] عَنْ زَيْدٍ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ - عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا: الشَّعِيرَ، وَالزَّبِيبَ، وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْبَرَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute