للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِهِ وَرَقِيقِ امْرَأَتِهِ، وَكَانَ لَهُ مُكَاتَبٌ فَكَانَ لَا يُؤَدِّي عَنْهُ، وَكَانَ لَا يَرَى عَلَى الْمُكَاتَبِ زَكَاةً.

قَالُوا: وَهَذَا صَاحِبٌ لَا مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْأَثَرِ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَى الْمَرْءِ إخْرَاجَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَنْ رَقِيقِ امْرَأَتِهِ وَمِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ ابْنِ عُمَرَ بَعْضُهُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَإِنْ قَالُوا: لَعَلَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِإِخْرَاجِهَا عَنْ رَقِيقِ الْمَرْأَةِ؟ قِيلَ: وَلَعَلَّ ذَلِكَ الْمُكَاتَبَ كَلَّفَهُ إخْرَاجَهَا مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا لِلْمَرْءِ أَنْ يُكَلِّفَ ذَلِكَ عَبْدَهُ، كَمَا يُكَلِّفُهُ الضَّرِيبَةَ؛ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى أَنْ يُخْرِجَهَا الْمُكَاتَبُ عَنْ نَفْسِهِ؛ وَلَعَلَّهُ قَدْ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا يَدْخُلُ فِيهِ " لَعَلَّ ".

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ؛ أَوْ عُشْرَ صَاعٍ، أَوْ تِسْعَةَ أَعْشَارٍ صَاعٍ فَقَطْ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا، وَأَوْجَبَهَا عَلَى بَعْضِ إنْسَانٍ دُونَ سَائِرِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَخَطَأٌ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْفِطْرِ فِيمَنْ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ رَقِيقٍ مِمَّنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ، وَهَذَا مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَالْحَقُّ مِنْ هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْجَبَهَا عَلَى الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ، وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ فَلَيْسَ حُرًّا، وَلَا هُوَ أَيْضًا عَبْدٌ، وَلَا هُوَ رَقِيقٌ، فَسَقَطَ بِذَلِكَ عَنْ أَنْ يَجِبَ عَلَى مَالِكِ بَعْضِهِ عَنْهُ شَيْءٌ، وَلَكِنَّهُ ذَكَرٌ، أَوْ أُنْثَى، صَغِيرٌ، أَوْ كَبِيرٌ فَوَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا بُدَّ بِهَذَا النَّصِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الْمُكَاتَبِ يُؤَدِّي بَعْضَ كِتَابَتِهِ إنَّهُ يُؤَدِّيهَا عَنْ نَفْسِهِ -: فَهُوَ لِأَنَّ بَعْضَهُ حُرٌّ وَبَعْضَهُ مَمْلُوكٌ كَمَا ذَكَرْنَا؛ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا ذَكَرْنَا فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا؟ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الدِّمَشْقِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>