للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» . وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] .

فَصَحَّ أَنَّ مَا عَجَزَ عَنْهُ الْمَرْءُ فَهُوَ سَاقِطٌ عَنْهُ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ مَا اسْتَطَاعَ، لَا بُدَّ لَهُ مِنْ إيفَائِهِ؛ فَسَقَطَ عُمُومُ كُلِّ فَقِيرٍ وَكُلِّ مِسْكِينٍ، وَبَقِيَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا سَقَطَ عَنْهُ أَيْضًا؛ وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُسْقِطَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَقَطَ عَنْهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ؟ وَذَكَرُوا حَدِيثَ الذُّهَيْبَةِ الَّتِي قَسَمَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْخَبَرَ، وَأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الذُّهَيْبَةُ مِنْ الصَّدَقَةِ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ أَصْلًا؛ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُعْطَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ مِنْ غَيْرِ الصَّدَقَةِ، بَلْ قَدْ أَعْطَاهُمْ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ.

وَذَكَرُوا حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَاهُ صَدَقَةَ بَنِي زُرَيْقٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ سَائِرَ الْأَصْنَافِ مِنْ سَائِرِ الصَّدَقَاتِ؟ وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ قَدْ سَقَطَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ، بَلْ هُمْ الْيَوْمَ أَكْثَرُ مَا كَانُوا، وَإِنَّمَا يَسْقُطُونَ هُمْ وَالْعَامِلُونَ إذَا تَوَلَّى الْمَرْءُ قِسْمَةَ صَدَقَةِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُنَالِكَ عَامِلُونَ عَلَيْهَا، وَأَمْرُ الْمُؤَلَّفَةِ إلَى الْإِمَامِ لَا إلَى غَيْرِهِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ مَنْ أَمَرَ لِقَوْمٍ بِمَالٍ - وَسَمَّاهُمْ - أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَنْ يَخُصَّ بِهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَمِنْ الْمُصِيبَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ أَمْرَ النَّاسِ أَوْكَدُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى -: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ ثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ثنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا رِفَاعَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>