للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ يَصْبِرُ وَيَنْطَوِي، وَهُوَ مُحْتَاجٌ وَلَا يَسْأَلُ. وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر: ٨] فَصَحَّ أَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُمْ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِ أَمْوَالِهِمْ. فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣] .

قُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَدْ يَلْبَسُ الْمَرْءُ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ إزَارًا وَرِدَاءً خَلِقَيْنِ غَسِيلَيْنِ لَا يُسَاوِيَانِ دِرْهَمًا، فَمَنْ رَآهُ كَذَلِكَ ظَنَّهُ غَنِيًّا، وَلَا يُعَدُّ مَالًا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِمَّا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ، إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ - وَذَكَرُوا قَوْلَ الشَّاعِرِ:

أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدُ

وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَتْ حَلُوبَتُهُ وَفْقَ عِيَالِهِ فَهُوَ غَنِيٌّ، وَإِنَّمَا صَارَ فَقِيرًا إذَا لَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبْدٌ، وَهُوَ قَوْلُنَا؟ وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: هُمْ الْعُمَّالُ الْخَارِجُونَ مِنْ عِنْدِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ، وَهُمْ الْمُصَدِّقُونَ، السُّعَاةُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ: أَنَا عَامِلٌ عَامِلًا، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فَكُلُّ مَنْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ مِنْ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا؛ وَلَا يُجْزِئُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ، وَهِيَ مَظْلِمَةٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا، فَتُجْزِئُ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ وَصَلَتْ إلَى أَهْلِهَا. وَأَمَّا عَامِلُ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ طَاعَتُهُ فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ؛ وَلَيْسَ عَلَيْنَا مَا يَفْعَلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ، كَوَصِيِّ الْيَتِيمِ وَلَا فَرْقَ، وَكَوَكِيلِ الْمُوَكِّلِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ.

وَالْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ لَهُمْ قُوَّةٌ لَا يُوثَقُ بِنَصِيحَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ فَيَتَأَلَّفُونَ بِأَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>