أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَغَيْرُ مُسْنَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَ بِبَوْلِ الْكِلَابِ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقَرَّهُ، وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِي الْخَبَرِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، إذْ لَا حُجَّةَ إلَّا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ فِي عَمَلِهِ أَوْ فِيمَا صَحَّ أَنَّهُ عَرَفَهُ فَأَقَرَّهُ، فَسَقَطَ هَذَا الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْخَبَرِ، لَكِنْ يَلْزَمُ مَنْ احْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُخْرِجُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ» أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى أَنْ يَعْرِفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ إلَى أَنْ يَعْرِفَ عَمَلَ بَنِي خُدْرَةَ فِي جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنْ يَأْخُذَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا، فَلَا يَرَى أَبْوَالَ الْكِلَابِ وَلَا غَيْرَهَا نَجَسًا، وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ الْفَرْثَ كَانَ مَعَهُ دَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا دَلِيلًا عِنْدَهُمْ، عَلَى طَهَارَةِ الدَّمِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ الْفَرْثِ دُونَ طَهَارَةِ الدَّمِ، وَكِلَاهُمَا مَذْكُورَانِ مَعًا. وَأَيْضًا فَإِنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَزَكَرِيَّا بْنَ أَبِي زَائِدَةَ رَوَوْا كُلُّهُمْ هَذَا الْخَبَرَ عَنْ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَذَكَرُوا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ سَلَى جَزُورٍ، وَهُمْ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، وَرِوَايَتُهُمْ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَتِهِ، فَإِذَا كَانَ الْفَرْثُ وَالدَّمُ فِي السَّلَى فَهُمَا غَيْرُ طَاهِرَيْنِ، فَلَا حُكْمَ لَهُمَا، وَالْقَاطِعُ هَهُنَا أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ بِمَكَّةَ قَبْلَ وُرُودِ الْحُكْمِ بِتَحْرِيمِ النَّجْوِ وَالدَّمِ، فَصَارَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ وَبَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِكُلِّ حَالٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ مَرَابِضَ الْغَنَمِ لَا تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا وَلَا مِنْ أَبْعَارِهَا. فَقُلْنَا لَهُمْ: أَمَّا قَوْلُكُمْ إنَّهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَبْوَالِهَا وَلَا مِنْ أَبْعَارِهَا فَقَدْ يَبُولُ الرَّاعِي أَيْضًا بَيْنَهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى طَهَارَةِ بَوْلِ الْإِنْسَانِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ حَدَّثَنَا قَالَ: ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ ثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُطَيَّبَ وَتُنَظَّفَ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute