للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّ أَنَّهُ لَا عَمَلَ إلَّا بِنِيَّةٍ لَهُ، وَأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ إلَّا مَا نَوَى. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فَلَهُ صَوْمٌ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِهِ فَلَيْسَ لَهُ صَوْمٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ: أَنَّ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ وَتَعَمُّدِ الْقَيْءِ، وَعَنْ الْجِمَاعِ، وَعَنْ الْمَعَاصِي، فَكُلُّ مَنْ أَمْسَكَ عَنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ - لَوْ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ بِلَا نِيَّةٍ لِلصَّوْمِ - لَكَانَ فِي كُلِّ وَقْتٍ صَائِمًا، وَهَذَا مَا لَا يَقُولُ أَحَدٌ.

وَمِنْ طَرِيقِ الْإِجْمَاعِ: أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ صَامَ وَنَوَاهُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ، وَلَا نَصَّ وَلَا إجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الصَّوْمَ يُجْزِئُ مَنْ لَمْ يَنْوِهِ مِنْ اللَّيْلِ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا -: فَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، وَهُوَ لَا يَنْوِي صَوْمًا أَصْلًا، بَلْ نَوَى أَنَّهُ مُفْطِرٌ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْهُ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ، وَلَا جَامَعَ -: فَإِنَّهُ صَائِمٌ وَيُجْزِئُهُ، وَلَا بُدَّ لَهُ فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ مِنْ نِيَّةٍ؟ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: النِّيَّةُ فَرْضٌ لِلصَّوْمِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ التَّطَوُّعِ، أَوْ النَّذْرِ إلَّا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَهَا فِي النَّهَارِ، مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا شَرِبَ، وَلَا جَامَعَ، فَإِنْ لَمْ يُحْدِثْهَا - لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ - لَمْ يَنْتَفِعْ بِإِحْدَاثِ النِّيَّةِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَلَا صَوْمَ لَهُ، وَعَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَمَّا قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَإِلَّا فَلَا صَوْمَ لَهُ، وَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يُحْدِثَ النِّيَّةَ فِي ذَلِكَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ فِي الصَّوْمِ وَأَمَّا فِي رَمَضَانَ فَتُجْزِئُهُ نِيَّتُهُ لِصَوْمِهِ كُلِّهِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، ثُمَّ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُجَدِّدَ نِيَّةَ كُلِّ لَيْلَةٍ، إلَّا أَنْ يَمْرَضَ فَيُفْطِرَ، أَوْ يُسَافِرَ فَيُفْطِرَ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ - حِينَئِذٍ - مُجَدَّدَةٍ قَالَ: وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ نِيَّةٍ لِكُلِّ لَيْلَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد: مِثْلَ قَوْلِنَا، إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى فِي التَّطَوُّعِ خَاصَّةً إحْدَاثَ النِّيَّةِ لَهُ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ أَكَلَ قَبْلَ ذَلِكَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ جَامَعَ -: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَا يَصُومُ إلَّا مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ

<<  <  ج: ص:  >  >>