قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا حُكْمَ صَوْمِ الْفَرْضِ، وَمَا نُبَالِي بِنَسْخِ فَرْضِ صَوْمِ عَاشُورَاءَ، فَقَدْ أُحِيلَ صِيَامُ رَمَضَانَ أَحْوَالًا، فَقَدْ كَانَ مَرَّةً: مَنْ شَاءَ صَامَهُ، وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا، إلَّا أَنَّ حُكْمَ مَا كَانَ فَرْضًا حُكْمٌ وَاحِدٌ؛ وَإِنَّمَا نَزَلَ هَذَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ؛ وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا - مِنْ نَاسٍ، أَوْ جَاهِلٍ، أَوْ نَائِمٍ - فَلَمْ يَعْلَمُوا وُجُوبَ الصَّوْمِ عَلَيْهِمْ، فَحُكْمُهُمْ كُلِّهِمْ هُوَ الْحُكْمُ الَّذِي جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ اسْتِدْرَاكِ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الْمَذْكُورِ مَتَى مَا عَلِمُوا بِوُجُوبِ صَوْمِهِ عَلَيْهِمْ، وَسُمِّيَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ صَائِمًا، وَجَعَلَ فِعْلَهُ صَوْمًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ: أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عَلَى الْهِلَالِ بَعْدَمَا أَصْبَحُوا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ الطَّعَامِ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ؟ وَعَنْ عَطَاءٍ: إذَا أَصْبَحَ رَجُلٌ مُفْطِرًا وَلَمْ يَذُقْ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ فَلْيَصُمْ مَا بَقِيَ وَلَا يُبَدِّلْهُ؟ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: مَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَكَلَ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلْيَأْكُلْ آخِرَهُ؟ قَالَ عَلِيٌّ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْهِلَالَ رُئِيَ الْبَارِحَةَ عَلَى أَقْوَالٍ -: مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْوِي صَوْمَ يَوْمِهِ وَيُجْزِئُهُ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبِهِ نَأْخُذُ، وَبِهِ جَاءَ النَّصُّ الَّذِي قَدَّمْنَا -: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصُومُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَمْ يَرَوْا فِيهِ قَضَاءً، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِهِ يَقُولُ دَاوُد وَأَصْحَابُنَا: وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَأْكُلُ بَقِيَّتَهُ وَيَقْضِيهِ، وَهُوَ قَوْلٌ رُوِّينَاهُ عَنْ عَطَاءٍ؟ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute