للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّعَامِ مِنْ الْقُطُورِ فِي الْأُذُنِ؟ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ كَغُبَارِ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ؟ فَقِيلَ لَهُ: لَيْسَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ غُبَارَ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ: لَمْ يَتَعَمَّدْ إيصَالَهُ إلَى الْحَلْقِ، وَالْكُحْلُ تَعَمَّدَ إيصَالَهُ؟ وَأَيْضًا: فَإِنَّ قِيَاسَ السَّعُوطِ عَلَى غُبَارِ الطَّرِيقِ، وَالطَّحِينِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَسْلَكُهُ الْأَنْفُ؛ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُحْسِنُونَ قِيَاسًا وَلَا يَلْتَزِمُونَ نَصًّا، وَلَا يَطْرُدُونَ أَصْلًا وَأَمَّا الْمَضْمَضَةُ، وَالِاسْتِنْشَاقُ فَيَغْلِبُهُ الْمَاءُ فَيَدْخُلُ حَلْقَهُ عَنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ.

فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إنْ كَانَ ذَاكِرًا لِصَوْمِهِ فَقَدْ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ذَاكِرًا كَانَ أَوَغَيْرَ ذَاكِرٍ.

وَرُوِّينَا عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ - وَهُوَ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادٌ - وَعَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي وُضُوءٍ لِصَلَاةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ وُضُوءٍ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: ٥] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي: الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَرُوِّينَا قَوْلَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ.

وَاحْتَجَّ مَنْ أَفْطَرَ بِذَلِكَ بِالْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ، إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ؛ وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الْمُبَالَغَةِ فِي الِاسْتِنْشَاقِ لِغَيْرِ الصَّائِمِ، وَسُقُوطُ وُجُوبِ ذَلِكَ عَنْ الصَّائِمِ فَقَطْ؛ لَا نَهْيُهُ عَنْ الْمُبَالَغَةِ؛ فَالصَّائِمُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُبَالِغَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِيهِ، وَأَمَّا غَيْرُ الصَّائِمِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ فَرْضٌ عَلَيْهِ، وَإِلَّا كَانَ مُخَالِفًا لِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بِالْمُبَالَغَةِ؛ وَلَوْ أَنَّ امْرَأً يَقُولُ: إنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الِاسْتِنْشَاقِ تُفْطِرُ الصَّائِمَ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي التَّمْوِيهِ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>