وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ فَبَاطِلٌ، عَارِيَّةٌ مِنْ الدَّلِيلِ جُمْلَةً، لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بَلْ هَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ وَتَنَاقَضُوا فِيهِ، لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلَافَ قَوْلِ الصَّاحِبِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَخَالَفُوا هَاهُنَا طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَقَالُوا: الْكَلَامُ، أَوْ الْأَكْلُ، أَوْ الشُّرْبُ فِي الصَّلَاةِ بِنِسْيَانٍ لَا يُبْطِلُهَا، وَأَبْطَلُوا الصَّوْمَ بِكُلِّ ذَلِكَ بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَتَنَاقَضَ أَيْضًا، لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْكَلَامَ، أَوْ الْأَكْلَ نَاسِيًا، أَوْ الشُّرْبَ نَاسِيًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَيَبْتَدِئُهَا، وَخَالَفَ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَرَأَى الْجِمَاعَ يُبْطِلُ الْحَجَّ نَاسِيًا كَانَ أَوْ عَامِدًا وَرَأَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَاتَّبَعَ الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ، وَرَأَى الْجِمَاعَ نَاسِيًا لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، قِيَاسًا عَلَى الْأَكْلِ، وَلَمْ يَقِسْ الْآكِلَ نَائِمًا عَلَى الْآكِلِ نَاسِيًا؛ بَلْ رَأَى الْأَكْلَ نَائِمًا يُبْطِلُ الصَّوْمَ، وَهُوَ نَاسٍ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا تَخْلِيطٌ لَا نَظِيرَ لَهُ؟ وَادَّعَى مُقَلِّدُوهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْجِمَاعَ وَالْأَكْلَ نَاسِيًا سَوَاءٌ؛ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْت لِعَطَاءٍ: رَجُلٌ أَصَابَ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ عَطَاءٌ: لَا يَنْسَى هَذَا كُلَّهُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ عُذْرًا، وَإِنْ طَعِمَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا يَقْضِيهِ، اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
وَرَأَى ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ وَتَفَارِيقُ لَا تَصِحُّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ أَكَلَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ أَوْ جَامَعَ كَذَلِكَ أَوْ شَرِبَ كَذَلِكَ فَإِذَا بِهِ نَهَارٌ إمَّا بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِمَّا بِأَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ -: كِلَاهُمَا لَمْ يَتَعَمَّدْ إبْطَالَ صَوْمِهِ، وَكِلَاهُمَا ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ، وَالنَّاسِي ظَنَّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ صِيَامٍ وَلَا فَرْقَ، فَهُمَا وَالنَّاسِي سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute