وَأَيْضًا فَقَدْ أَتَيْنَا بِالْبَرَاهِينِ عَلَى بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِالْمَعْصِيَةِ بِتَعَمُّدٍ، وَالسَّفَرُ فِي الْمَعْصِيَةِ مَعْصِيَةٌ وَفُسُوقٌ، فَقَدْ بَطَلَ صَوْمُهُ بِهِمَا.
وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ مَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، أَوْ ضَارَبَ قَوْمًا ظَالِمًا لَهُمْ مُرِيدًا قَتْلَهُمْ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ فَدَفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَثْخَنُوهُ ضَرْبًا فِي تِلْكَ الْمُدَافَعَةِ حَتَّى أَوْهَنُوهُ؛ فَمَرِضَ مِنْ ذَلِكَ مَرَضًا لَا يَقْدِرُ مَعَهُ عَلَى الصَّوْمِ، وَلَا عَلَى الصَّلَاةِ قَائِمًا؛ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيُصَلِّي قَاعِدًا وَيَقْصُرُ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ مَرَضِ الْمَعْصِيَةِ وَسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ.
وَأَمَّا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مُتَقَصَّى - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَنَذْكُرُ هَاهُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ طَرَفًا -: وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ حَدَّ السَّفَرَ [الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ] مِنْ الزَّمَانِ بِمَسِيرِ ثَلَاثَةٍ أَيَّامٍ، وَمِنْ الْمَسَافَاتِ بِمِقْدَارِ مَا بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْمَدَائِنِ؛ ذَكَرَ ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ؟ وَحَدَّ الشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِسِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا.
وَحَّدَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ، مَرَّةً يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَمَرَّةً ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً أَرْبَعِينَ مِيلًا، وَمَرَّةً سِتَّةً وَثَلَاثِينَ مِيلًا؛ ذَكَرَ ذَلِكَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي كِتَابِهِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَبْسُوطِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذِهِ حُدُودٌ فَاسِدَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا لَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ.
وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ فَاسِدَةٍ، وَلَا إجْمَاعٍ [قَدْ] جَاءَتْ فِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ -: فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ خَيْبَرٍ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ سِتَّةٌ وَتِسْعُونَ مِيلًا؛ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنْ لَا يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْمَدِينَةَ إلَى السُّوَيْدَاءِ وَهُوَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا، وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَكُونُ الْفِطْرُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ وَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَكُونُ الْقَصْرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute