قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَحِينَئِذٍ كَانَ الصَّوْمُ أَفْضَلَ؛ فَظَهَرَتْ فَضِيحَةُ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ؟ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ الْمُحَبَّقِ «مَنْ كَانَ يَأْوِي إلَى حَمُولَةٍ أَوْ شِبَعٍ فَلْيَصُمْ» فَحَدِيثٌ سَاقِطٌ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ حَبِيبٍ - وَهُوَ بَصْرِيٌّ - لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ وَهُوَ مَجْهُولٌ
ثُمَّ لَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا لِلْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ " صُمْهُ فِي الْيُسْرِ، وَأَفْطِرْهُ فِي الْعُسْرِ " لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إيجَابُ الصَّوْمِ، وَلَا بُدَّ عَلَى ذِي الْحَمُولَةِ وَالشِّبَعِ، وَهَذَا خِلَافُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْغِطْرِيفِ، وَأَبِي عِيَاضٍ فَمُرْسَلَانِ؛ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ؛ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي ذَكَرْنَا هَاهُنَا الَّذِي فِيهِ إبَاحَةُ الصَّوْمِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ حَمْزَةَ - ابْنِهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ - وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَأَبُوهُ كَذَلِكَ؛ وَأَمَّا الثَّابِتُ مِنْ حَدِيثِ حَمْزَةَ هُوَ مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَجَابِرٍ؛ فَلَا حَجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ صَائِمًا لِرَمَضَانَ، وَإِذْ لَيْسَ ذَلِكَ فِيهَا فَلَا يَجُوزُ الْقَطْعُ بِذَلِكَ، وَلَا الِاحْتِجَاجُ بِاخْتِرَاعِ مَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا تَطَوُّعًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهَا نَصًّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيجَابُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؛ فَلَوْ كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ قَبْلَ ذَلِكَ مُبَاحًا لَكَانَ مَنْسُوخًا بِآخِرِ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَمَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute