للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُقَالُ لَهُ: إذَا قُلْت هَذَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» فَقُلْهُ أَيْضًا فِي قَوْله تَعَالَى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: ١٧٧] وَلَا فَرْقَ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ سَلَكَ هَذَا السَّبِيلَ فَقَدْ أَبْطَلَ الدِّينَ وَالْعَقْلَ وَالتَّفَاهُمَ جُمْلَةً. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْف تَقُولُونَ فِي صَوْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٥] . قُلْنَا: هَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَا تَخْلُو هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا تَأَخَّرَ إلَى وَقْتِ فَتْحِ مَكَّةَ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ فَرْضُ رَمَضَانَ بِوَحْيٍ آخَرَ كَمَا كَانَ نُزُولُ آيَةِ الْوُضُوءِ فِي الْمَائِدَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ نُزُولِ فَرْضِهِ؛ فَإِنْ كَانَ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وَإِنْ كَانَ تَقَدَّمَ نُزُولُهَا فَلَا يَخْلُو - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي صَوْمِهِ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَامَهُ لِرَمَضَانَ أَوْ تَطَوُّعًا، فَإِنْ كَانَ صَامَهُ تَطَوُّعًا فَسُؤَالُكُمْ سَاقِطٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَإِنْ كَانَ صَامَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِرَمَضَانَ فَلَا نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - نَسَخَ بِفِعْلِهِ حُكْمَ الْآيَةِ ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَعَادَ حُكْمُ الْآيَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ فَكَيْف وَلَا دَلِيلَ أَصْلًا عَلَى تَقَدُّمِ نُزُولِ الْآيَةِ قَبْلَ غَزْوَةِ الْفَتْحِ؟ وَمَا نَزَلَ بَعْضُهَا إلَّا بَعْدَ إسْلَامِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ بَعْدَ الْفَتْحِ بِمُدَّةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَذْكُرَ مَنْ قَالَ: بِمِثْلِ قَوْلِنَا لِئَلَّا يَدَّعُوا عَلَيْنَا خِلَافَ الْإِجْمَاعِ؛ فَالدَّعْوَى لِذَلِكَ مِنْهُمْ سَهْلَةٌ، وَهُمْ أَكْثَرُ النَّاسِ خِلَافًا لِلْإِجْمَاعِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَفِي غَيْرِهِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ كُلْثُومِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قَيْسٍ أَنَّهُ صَامَ فِي السَّفَرِ فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُعِيدَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُعِيدَ صِيَامَهُ فِي السَّفَرِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مَنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>