قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْبَاطِلِ فِي الدِّينِ بِالدَّعْوَى، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ تَنَجَّسَ عِنْدَكُمْ إلَّا بِالِاسْتِعْمَالِ؟ فَلَا بُدَّ مِنْ نَعَمْ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ لَا يَنْجَسَ فِي الْحَالِ الْمُنَجَّسَةِ لَهُ ثُمَّ يَنْجَسَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا جُرْأَةَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُقَالَ: هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ تُؤَدَّى بِهِ الْفَرَائِضُ، فَإِذَا تَقَرَّبَ بِهِ إلَى اللَّهِ فِي أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ تَنَجَّسَ أَوْ حَرُمَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ، وَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْلِيطُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْجُنُبَ إذَا اغْتَسَلَ فِي الْحَوْضِ أَفْسَدَ مَاءَهُ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، بَلْ هُوَ مَوْضُوعٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيُّونَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا نَعْلَمُ مَنْ هُوَ قَبْلَ حَمَّادٍ، وَلَا نَعْرِفُ لِإِبْرَاهِيمَ سَمَاعًا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ هَذَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ ذَكَرْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلُ خِلَافَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: أَرْبَعٌ لَا تَنْجَسُ الْمَاءُ وَالْأَرْضُ وَالْإِنْسَانُ، وَذَكَرَ رَابِعًا.
وَذَكَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَحْرِيمِهِ الصَّدَقَةَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ «إنَّمَا هِيَ غُسَالَةُ أَيْدِي النَّاسِ» . وَعَنْ عُمَرَ مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ أَصْلًا، لِأَنَّ اللَّازِمَ لَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنْ لَا يُحَرَّمَ ذَلِكَ إلَّا عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَكْرَهْ ذَلِكَ وَلَا مَنَعَهُ أَحَدًا غَيْرَهُمْ، بَلْ أَبَاحَهُ لِسَائِرِ النَّاسِ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ فَإِنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ لِأَنَّهُمْ يُجِيزُونَ فِي أَصْلِ أَقْوَالِهِمْ شُرْبَ ذَلِكَ الْمَاءِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ غَيْرُ وُضُوئِهِمْ الَّذِي يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا عَجَبَ أَكْثَرُ مِنْ إبَاحَتِهِمْ غُسَالَةَ أَيْدِي النَّاسِ وَفِيهَا جَاءَ مَا احْتَجُّوا بِهِ.
وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَتَحْرِيمُهُمْ الْمَاءَ الَّذِي قَدْ تَوَضَّأَ بِهِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ نَهْيٌ عَنْهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلَالِ وَتَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ.
وَنَسْأَلُ أَصْحَابَ الشَّافِعِيِّ عَمَّنْ وَضَّأَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ يَنْوِي بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute