عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ ذَلِكَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ الْعَلَاءِ، وَالْعَلَاءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ: شُعْبَةُ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَمِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، وَأَبُو الْعُمَيْسِ، وَكُلُّهُمْ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَلَا يَضُرُّهُ غَمْزُ ابْنِ مَعِينٍ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِأَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالَفَةُ مَا رَوَى عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ؛ فَمَنْ ادَّعَى هَاهُنَا إجْمَاعًا فَقَدْ كَذَبَ. وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ الصَّوْمَ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ جُمْلَةً، إلَّا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُتَيَقَّنَ مِنْ مُقْتَضَى لَفْظِ هَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَلَا يَكُونُ الصِّيَامُ فِي أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ بَاقِي الشَّهْرِ إذْ لَيْسَ ذَلِكَ بَيِّنًا، وَلَا يَخْلُو شَعْبَانُ مِنْ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعًا وَعِشْرِينَ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَانْتِصَافُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا؛ وَإِنْ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَانْتِصَافُهُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْخَامِسِ عَشَرَ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ الصِّيَامِ بَعْدَ النِّصْفِ، فَحَصَلَ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِ الْيَوْمِ السَّادِسَ عَشَرَ بِلَا شَكٍّ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذَا كَانَ النِّصْفُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَمْسِكُوا عَنْ الصَّوْمِ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ» . قُلْنَا: نَعَمْ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنْ كُلِّ مَا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ بَعْضِ مَا بَعْدَ النِّصْفِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْلَى بِظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْ الْآخَرِ؛ وَقَدْ رُوِّينَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ» وَقَوْلِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ إلَّا قَلِيلًا» وَقَوْلُهُمَا هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يُدَاوِمُ ذَلِكَ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ كُلِّهَا وَأَلَّا يُرَدَّ مِنْهَا شَيْءٌ لِشَيْءٍ أَصْلًا؛ فَصَحَّ صِيَامُ أَكْثَرِ شَعْبَانَ مَرْغُوبًا فِيهِ، وَصَحَّ جَوَازُ صَوْمِ آخِرِهِ؛ فَلَمْ يَبْقَ يَقِينُ النَّهْيِ إلَّا عَلَى مَا لَا شَكَّ فِيهِ وَهُوَ الْيَوْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute