للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: لَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلَّا الْعَبْدَ؟ قِيلَ: هَذَا هُوَ الْكَذِبُ بِعَيْنِهِ أَنْ يُرِيدَا إلَّا الْعَبْدَ ثُمَّ لَا يُبَيِّنَانِهِ؛ وَأَيْضًا: فَلَعَلَّهُمَا أَرَادَا إلَّا الْمُقْعَدَ، وَإِلَّا الْأَعْمَى، وَإِلَّا الْأَعْوَرَ، وَإِلَّا بَنِي تَمِيمٍ، وَإِلَّا أَهْلَ إفْرِيقِيَةَ، وَهَذَا حَقٌّ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ وَلَا يَصِحُّ مَعَ هَذِهِ الدَّعْوَى قَوْلَةٌ لِأَحَدٍ أَبَدًا.

وَلَعَلَّ كُلَّ مَا أَخَذُوا بِهِ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ؛ وَلَكِنَّهُمْ أَرَادُوا تَخْصِيصًا لَمْ يُبَيِّنُوهُ وَهَذِهِ طَرِيقُ السُّوفُسْطَائِيَّة نَفْسِهَا؛ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ مَا لَمْ يَقُلْ إلَّا بِبَيَانٍ وَارِدٍ مُتَيَقَّنٍ يُنْبِئُ بِأَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ.

وَقَدْ ذَكَرُوا هَاهُنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥] .

{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: ٢٣] .

وَ {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات: ٤٢] .

وَكُلُّ هَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا دَمَّرَتْ بِنَصِّ الْآيَةِ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَدَمَّرَتْ مَا أَمَرَهَا رَبُّهَا بِتَدْمِيرِهِ لَا مَا لَمْ يَأْمُرْهَا.

وَمَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّمَا جَعَلَتْ كَالرَّمِيمِ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ لَا مَا لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ بِنَصِّ الْآيَةِ.

وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ: لَا يَقْتَضِي إلَّا بَعْضَ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ، فَمَنْ آتَاهُ اللَّهُ شَيْئًا مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَقَدْ آتَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ الْعَالَمُ كُلُّهُ؛ فَمَنْ أُوتِيَ شَيْئًا فَقَدْ أُوتِيَ مِنْ الْعَالَمِ كُلِّهِ - وَهَذَا بَيِّنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَكَتَبَ إلَيَّ أَبُو الْمَرْجِيِّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِرٍّ الْمَصْرِيُّ قَالَ: نا أَبُو الْحَسَنِ الرَّحَبِيُّ -: نا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ نا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ المغلس نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ نا أَبِي نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ الْعُكْلِيُّ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ قَالَ: سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ الْعَبْدِ إذَا حَجَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؟ فَقَالَا جَمِيعًا: تُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا حَجَّ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَمْ تُجْزِهِ؛ وَبِهِ إلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا حَجَّ الْعَبْدُ وَهُوَ مُخَلًّى فَقَدْ أَجْزَأَتْ عَنْهُ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ لِلْعَبْدِ حَجًّا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا

<<  <  ج: ص:  >  >>