للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِلَافُ الْقُرْآنِ وَخِلَافُ الْقِيَاسِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ كَمَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةِ فَرْضٍ قَبْلَ وَقْتِهَا أَنَّهَا تَكُونُ تَطَوُّعًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا تَشْبِيهُ الْخَطَأِ بِالْخَطَأِ بَلْ هُوَ لَا شَيْءَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلَاةِ كَمَا أُمِرَ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: ٥] .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .

فَصَحَّ أَنْ عَمَلَ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ عَمَلٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى: وَلَا أَمْرُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَصَحَّ أَنَّهُ رَدٌّ، وَلَا يَصِيرُ عُمْرَةً وَلَا هُوَ حَجٌّ.

وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَحْتَجُّ مِنْ الْحَنِيفِيِّينَ بِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مَا، فَإِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عُمْرَةً فَهُوَ الْحَجُّ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُنَاظِرُ مَنْ يُسَاعِدُهُ عَلَى هَذَا الْخَطَأِ فَهُوَ لَعَمْرِي لَازِمٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَصَدَ الْإِيهَامَ بِأَنَّهُ إجْمَاعٌ [تَامٌّ] فَقَدْ اسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ عَلَى الْأُمَّةِ كُلِّهَا - نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءٍ: أَنَّهُ يَحِلُّ، وَعَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ [جُمْلَةً] . وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: أَنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَتُجِيزُونَهُ فَأَخْبِرُونَا عَنْكُمْ أَهُوَ عَمَلُ بِرٍّ وَفِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ؟ فَلِمَ تَكْرَهُونَ الْبِرَّ وَعَمَلًا فِيهِ - أَجْرٌ؟ هَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَمَا فِي الدِّينِ كَرَاهِيَةُ الْبِرِّ وَعَمَلُ الْخَيْرِ، أَمْ هُوَ عَمَلٌ لَيْسَ فِيهِ أَجْرٌ زَائِدٌ وَلَا هُوَ مِنْ الْبِرِّ؟ فَكَيْف أَجَزْتُمُوهُ فِي الدِّينِ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إذْ هُوَ عَمَلٌ زَائِدٌ لَا أَجْرَ فِيهِ فَهُوَ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: ٨] وَيُقَالُ لِلشَّافِعِيِّ: كَيْف تُبْطِلُ عَمَلَهُ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خَالَفَ الْحَقَّ، ثُمَّ تُلْزِمُهُ بِذَلِكَ الْعَمَلِ عُمْرَةً لَمْ يُرِدْهَا قَطُّ وَلَا قَصَدَهَا وَلَا نَوَاهَا؟ وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذَا بَيِّنٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؛ فَبَطَلَ كِلَا الْقَوْلَيْنِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>