قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ نَصًّا - يَعْنِي مِيقَاتَ أَرْضِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ؛ وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا: أَنَّهُمْ مَرُّوا عَلَى الْمِيقَاتِ؛ وَإِذْ لَيْسَ هَذَا فِيهَا فَكَذَلِكَ نَقُولُ: إنَّ مَنْ لَمْ يَمُرَّ عَلَى الْمِيقَاتِ فَلْيُحْرِمْ مِنْ حَيْثُ شَاءَ، وَبِهَذَا تَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ عَنْهُمْ مَعَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ مَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ لَا دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ تَأْوِيلِهِمْ فِيهَا، وَهِيَ خَارِجَةٌ أَحْسَنَ خُرُوجٍ عَلَى مُوَافَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّتِي لَا يَحِلُّ أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ غَيْرُهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَمَنْ أَتَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: إنَّ الْقُبْلَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: لَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا كَانَ مَعَهَا مَنِيٌّ.
وَإِلَى خَبَرِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا كَانَتْ لَا تَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا، فَقَالَ: لَا نَدْرِي لِمَاذَا وَلَعَلَّهُ لِأَمْرٍ مَا، وَلَيْسَ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَا تَرَى ذَلِكَ الرَّضَاعَ مُحَرِّمًا -: فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْنَا حَمْلَ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَظَاهِرِهِ؛ بَلْ الْمَلَامَةُ كُلُّهَا عَلَى مَنْ أَقْحَمَ فِي هَذِهِ الْآثَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْ أَنَّهُمْ جَازُوا عَلَى الْمَوَاقِيتِ؛ بَلْ قَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا بِلَا شَكٍّ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَاسْتَحَبُّوا تَعْجِيلَ الْإِحْرَامِ قَبْلَ الْمِيقَاتِ؛ وَأَمَّا مَالِكٌ فَكَرِهَهُ وَأَلْزَمَهُ إذَا وَقَعَ.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَكَرِهَهُ؛ وَأَمَّا أَبُو سُلَيْمَانَ فَلَمْ يُجِزْهُ - وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.
فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ تَرَكَ الْقِيَاسَ؛ إذْ أَجَازَ الْإِحْرَامَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ وَلَمْ يُجِزْ صَلَاةَ مَنْ صَلَّى وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ نَهْرٌ وَلَا فَرَّقَ بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِحْرَامِ وَبَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنْ حَمَلُوا هَذِهِ الْآثَارَ عَلَى مَا حَمَلَهَا عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّونَ فَقَدْ أَعْظَمُوا الْقَوْلَ عَلَى أُصُولِهِمْ إذْ كَرِهُوا مَا اسْتَحَبَّهُ الصَّحَابَةُ؛ وَإِنْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا حَمَلْنَاهَا نَحْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute