وَعَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ؟ قُلْنَا: هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ؛ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلُكُمْ، وَسَالِمٌ ابْنُهُ أَوْثَقُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ الْإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ فِي فِعْلٍ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَمَرَّةً عَلَيْهِمْ وَمَرَّةً لَيْسَ لَهُمْ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا هَدْيَ إلَّا مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا أَنْتُمْ: بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ هَدْيًا إلَّا مَا أَشْعَرَ؟ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ آنِفًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأُشْعِرَ فِي سَنَامِهَا» ؟ قُلْنَا: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَمْرٌ بِالْإِشْعَارِ، وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَقُلْنَا بِإِيجَابِهِ مُسَارِعِينَ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَأُدْنِيَتْ إلَيْهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا؛ لِأَنَّهُ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَوَلَّى بِيَدِهِ إشْعَارَهَا، بِذَلِكَ صَحَّ الْأَثَرُ عَنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَمَا ذَكَرْنَا.
وَرُوِّينَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَابْنِ عُمَرَ إشْعَارَ الْبَقَرِ فِي أَسْنِمَتِهَا.
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ: الشَّاةُ لَا تُقَلَّدُ.
وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ لَا مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِ.
وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الْإِبِلُ تُقَلَّدُ، وَتُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ لَا تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ، وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: لَا - تُقَلَّدُ الْغَنَمُ - وَرَأَى مَالِكٌ إشْعَارَ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ وَمَقْلُوبٌ؛ بَلْ الْإِبِلُ: تُقَلَّدُ، وَتُشْعَرُ؛ وَالْبَقَرُ: لَا تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ، وَالْغَنَمُ: تُقَلَّدُ، وَلَا تُشْعَرُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقَلَّدُ إلَّا هَدْيُ الْمُتْعَةِ، وَالْقِرَانِ، وَالتَّطَوُّعِ مِنْ الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ فَقَطْ: وَلَا يُقَلَّدُ: هَدْيُ الْإِحْصَارِ، وَلَا الْجِمَاعِ، وَلَا جَزَاءِ الصَّيْدِ.
وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ؛ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute