كَانَ مِنْ النَّاسِ حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ؛ وَهَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ اللَّعِينِ، وَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْتُمْ؛ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ رِوَايَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنْ الْخَطَإِ فِي الرَّأْيِ.
وَلَا عَجَبَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ طَاوُسًا، وَعَطَاءً، وَعُرْوَةَ، وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: خَالَفُوا مَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ - ثُمَّ لَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صَبْغِ قَمِيصِهِ أَخْضَرَ فَقَالُوا لَهُ: بَلْ اُصْبُغْهُ أَحْمَرَ؟ لَمْ يَرَ رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً وَلَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْأَخْذَ بِهِ؟ ثُمَّ رَأْيُهُمْ حُجَّةٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَئِنْ كَانَ خَالَفَ هَؤُلَاءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ: كَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ؛ وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَطَاءٍ إلَّا الْقَوْلُ بِهِ - وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخَذَا بِهِ.
وَقَالُوا: لَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ؟ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ فَقَدْ عَرَفَهُ: عُمَرُ، وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَعَائِشَةُ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَعَمَّارٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَخَذُوا بِهِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ بَلْ لَيْسَ لِابْنِ عُمَرَ هَاهُنَا خِلَافٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِإِبْطَالِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْرِفْهُ.
وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْإِهْلَالُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ السُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ - وَقَالَ عُمَرُ، وَعُثْمَانُ، بِالِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ فَخَالَفُوهُمَا وَمَعَهُمَا السُّنَّةُ وَتَعَلَّقُوا بِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ إذْ جَاءَ عَنْهُمَا خِلَافُ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ، وَمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ مُوَافَقَةِ السُّنَنِ: وَالْقَوْمُ غَرْقَى فِي بِحَارِ هَوَاهُمْ وَبِكُلِّ مَا يُرْدِي الْغَرِيقَ تَعَلَّقُوا وَذَكَرُوا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَلَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَصِفُهُمْ بِفَسَادِ الرَّأْيِ وَالتَّلَاعُبِ؛ إذْ يَشْتَرِطُونَ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ، وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لَا عَقْلَ لَهُ، وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا صَحَّتْ لَمْ يَحِلَّ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا، وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً فِي مُعَارَضَتِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ، وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ، وَالْقِيَاسَ؛ لِأَنَّهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute