للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ نَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ - عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنِي «عُرْوَةُ بْنُ مُضَرِّسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَامٍ الطَّائِيُّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِجَمْعٍ فَقُلْت لَهُ: هَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ مَعَنَا وَوَقَفَ هَذَا الْمَوْقِفَ حَتَّى يُفِيضَ، وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: إنْ أَفَاضَ مِنْهَا نَهَارًا فَحَجُّهُ تَامٌّ وَعَلَيْهِ دَمٌ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا لَيْلًا فَلَا حَجَّ لَهُ، وَاحْتَجَّ لَهُ مَنْ قَلَّدَهُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَفَ بِهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ؟ فَقُلْنَا: وَوَقَفَ نَهَارًا، فَأَبْطَلُوا حَجَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ بِهَا نَهَارًا.

فَقَالُوا: قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، «مَنْ أَدْرَكَ لَيْلَةَ عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ» ؟ فَقُلْنَا: وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَأَفَاضَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ عَرَفَاتٍ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ أَدْرَكَ» فَبَلَّحُوا.

فَأَتَوْا بِنَادِرَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ " لَيْلًا أَوْ نَهَارًا " إنَّمَا هُوَ لَيْلًا وَنَهَارًا كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] ؟ فَقُلْنَا: هَذَا الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَعَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صُرَاحًا؛ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلْتُمُوهُ لَمَا كَانَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيًّا عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ آثِمًا إلَّا حَتَّى يَكُونَ كَفُورًا؛ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، بَلْ هُوَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْهِيٌّ عَنْ أَنْ يُطِيعَ مِنْهُمْ الْآثِمَ، وَالْكَفُورَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْآثِمُ كَفُورًا.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكُمْ فِي الْخَبَرِ تَأْوِيلُكُمْ الْفَاسِدُ لَكَانَ لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ حَجٌّ حَتَّى يَقِفَ بِهَا نَهَارًا وَلَيْلًا مَعًا، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَقِفْ بِهَا إلَّا نَهَارًا وَدَفَعَ مِنْهَا إثْرَ تَمَامِ غُرُوبِ الْقُرْصِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَالدَّفْعُ لَا يُسَمَّى وُقُوفًا، بَلْ هُوَ زَوَالٌ عَنْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>