للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ: بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَذَانٌ وَإِقَامَةٌ، وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلًا لَا مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا مِنْ عَمَلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ؟ قُلْنَا: هَذَا قِيَاسٌ لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ، وَقَوْلُكُمْ هَذَا فِي مُزْدَلِفَةَ خَطَأٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى.

فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَاتِ؟ قُلْنَا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ [هَذَا] مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بِعَرَفَةَ لَيْسَتَا فَائِتَتَيْنِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ قِيَاسُ صَلَاةٍ تُصَلَّى فِي وَقْتِهَا عَلَى صَلَاةٍ فَائِتَةٍ لَا سِيَّمَا وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهَذَا الْعَمَلِ فِي الْفَائِتَاتِ، وَقَالَ سُفْيَانُ، وَإِسْحَاقُ: يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ، وَالْعَصْرِ، بِعَرَفَةَ بِإِقَامَتَيْنِ فَقَطْ بِلَا أَذَانٍ.

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى بِمَكَّةَ وَبِمِنًى كُلَّ صَلَاةٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ، وَصَلَّى - بِعَرَفَةَ، وَبِجَمْعٍ - كُلَّ صَلَاةٍ بِإِقَامَةٍ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ خَبَرَ جَابِرٍ وَرَدَ بِزِيَادَةِ ذِكْرِ الْأَذَانِ، وَزِيَادَةُ الْعَدْلِ وَاجِبٌ قَبُولُهَا، وَلَا بُدَّ، وَأَمَّا الْجَمْعُ بِمُزْدَلِفَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِلْخَبَرِ الْمَذْكُورِ أَيْضًا.

وَفِي هَذَا خِلَافٌ مِنْ السَّلَفِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: عَنْ نَافِعٍ قَالَ: لَمْ أَحْفَظْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَذَانًا وَلَا إقَامَةً بِجَمْعٍ - يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: صَلَّيْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ بِجَمْعٍ الْمَغْرِبَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ، ثُمَّ الْعِشَاءَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ.

وَقَوْلٌ ثَانٍ -: وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةِ بِلَا أَذَانٍ - وَرُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ - وَذَكَرَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>