وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ؛ فَنَظَرْنَا فِي الْآيَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ - تَعَالَى - أَيْضًا يَقُولُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَجَازَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ بِظَاهِرِ الْآيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَطْ؟ قُلْنَا: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هَدْيِ فَرْضٍ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ؟ وَالثَّانِي: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا مُسَدَّدٌ نَا أَبُو الْأَحْوَصِ نَا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ حُنَيْنٍ " وَفِيهِ: «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ» .
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مَعَ ظَاهِرِ الْآيَةِ بِأَنَّ شَاةً تُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ، وَالْإِحْصَارِ، وَالتَّطَوُّعِ، وَقَدْ عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشْرَ شِيَاهٍ بِبَعِيرٍ.
فَصَحَّ أَنَّ الشَّاةَ بِإِزَاءِ عُشْرِ الْبَعِيرِ جُمْلَةً؛ وَأَنَّ الْبَقَرَةَ كَالْبَعِيرِ فِي جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِيهَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا.
فَصَحَّ أَنَّ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ يُجْزِئَانِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ، وَعَشْرُ شِيَاهٍ تُجْزِئُ عَنْ عَشْرَةٍ، فَالْبَعِيرُ، وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَشَرَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَبِهِ نَقُولُ لِمَا ذَكَرْنَا - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْهَدْيِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لِلْبَيْعِ، أَوْ لِلْأَكْلِ لَا لِلْهَدْيِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْبَدَنَةُ، وَلَا الْبَقَرَةُ مُذَكَّاةً لِلْهَدْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ إلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ -.
وَحُجَّةُ زُفَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُحْصِرُ، وَالْمُتَمَتِّعُ، وَالْمُتَطَوِّعُ، وَالْقَارِنُ، فَلَمْ يَحْصُلْ مُذَكًّى لِمَا قَصَدَهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَالذَّكَاةُ لَا تَتَبَعَّضُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute