وَفَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الْإِحْصَارِ، وَالْحَصْرِ -: فَرُوِّينَا عَنْ الْكِسَائِيِّ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ الْمَرَضِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِيهِ: أَحُصِرَ، فَهُوَ مُحْصِرٌ، وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ: حَصْرٌ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَا كَانَ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، قِيلَ فِيهِ: أُحْصِرَ، فَهُوَ مُحْصِرٌ؛ وَمَا كَانَ مِنْ حَبْسٍ قِيلَ: حَصْرٌ - وَبِهِ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا لَا مَعْنَى لَهُ، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرِيعَةِ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَمْرِ الْحُدَيْبِيَةِ إذْ مَنَعَ الْكُفَّارُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إتْمَامِ عُمْرَتِهِ، وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْعَ الْعَدُوِّ إحْصَارًا.
وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ، وَابْنُ عُمَرَ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ - وَهُمْ فِي اللُّغَةِ فَوْقَ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَالْكَسَائِيّ.
وَقَالَ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣] .
فَهَذَا هُوَ مَنْعُ الْعَدُوِّ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ إنَّمَا مَنَعَهُمْ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ الْكُفَّارُ بِلَا شَكٍّ؛ وَبَيَّنَ ذَلِكَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢٧٣] .
فَصَحَّ أَنَّ الْإِحْصَارَ، وَالْحَصْرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَأَنَّهُمَا اسْمَانِ يَقَعَانِ عَلَى كُلِّ مَانِعٍ مِنْ عَدُوٍّ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمُحْصِرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ، أَوْ عُمْرَتِهِ. فَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِحَجٍّ مَرِضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ: أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ، فَإِذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ حَلَّ؛ فَإِنْ اعْتَمَرَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ إذَا بَرَأَ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ قَابِلٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ، فَإِنْ لَمْ يَزُرْ الْبَيْتَ حَتَّى يَحُجَّ وَيَجْعَلَهُمَا سَفَرًا وَاحِدًا فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ: سَفَرَانِ وَهَدْيٌ أَوْ هَدَيَانِ وَسَفَرٌ - وَهَذَا عَنْهُ مُنْقَطِعٌ لَا يَصِحُّ.
وَصَحَّ عَنْهُ: أَنَّهُ أَفْتَى فِي مُحْرِمٍ بِعُمْرَةٍ لُدِغَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّفُوذِ: أَنَّهُ يَبْعَثُ بِهَدْيٍ وَيُوَاعِدُ أَصْحَابَهُ، فَإِذَا بَلَغَ الْهَدْيَ أَحَلَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute