وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَلَا مُتَعَلَّقَ لِمَنْ ذَهَبَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ، وَلَا بِعَمَلِ صَحَابَةٍ وَلَا بِقَوْلٍ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا بِقِيَاسٍ وَلَا بِاحْتِيَاطٍ، وَهِيَ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا تَرَى لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ مُقَلِّدِيهِمْ أَنْ يَدَّعِيَ عَمَلًا إلَّا كَانَ لِخُصُومِهِ أَنْ يَدَّعِيَ لِنَفْسِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ لَاحَ أَنَّ كُلَّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ أَفْعَالِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَإِنَّمَا هُوَ إيهَامٌ مُفْتَضَحٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ نَامُوا عَلَى الْحَالِ الَّتِي يُسْقِطُونَ الْوُضُوءَ عَمَّنْ نَامَ كَذَلِكَ، فَسَقَطَتْ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مِنْ طَرِيقِ السُّنَنِ إلَّا قَوْلَنَا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو النَّوْمُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ حَدَثًا، فَإِنْ كَانَ لَيْسَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، كَيْفَ كَانَ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ حَدَثًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ - كَيْف كَانَ - يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا قَوْلُنَا فَصَحَّ أَنَّ الْحُكْمَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَحْوَالِ النَّوْمِ خَطَأٌ وَتَحَكُّمٌ بِلَا دَلِيلٍ، وَدَعْوَى لَا بُرْهَانَ عَلَيْهَا. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا، وَإِنَّمَا يُخَافُ أَنْ يُحْدِثَ فِيهِ الْمَرْءُ، قُلْنَا لَهُمْ: هَذَا لَا مُتَعَلِّقَ لَكُمْ بِشَيْءٍ مِنْهُ، لِأَنَّ الْحَدَثَ مُمْكِنٌ كَوْنُهُ مِنْ الْمَرْءِ فِي أَخَفِّ مَا يَكُونُ مِنْ النَّوْمِ، كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فِي النَّوْمِ الثَّقِيلِ وَمُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْجَالِسِ كَمَا هُوَ مُمْكِنٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُضْطَجِعِ، وَقَدْ يَكُونُ الْحَدَثُ مِنْ الْيَقْظَانِ، وَلَيْسَ الْحَدَثُ عَمَلًا يَطُولُ، بَلْ هُوَ كَلَمْحِ الْبَصَرِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ الْكَثِيرُ مِنْ الْمُضْطَجِعِ لَا حَدَثَ فِيهِ، وَيَكُونُ الْحَدَثُ فِي أَقَلِّ مَا يَكُونُ مِنْ نَوْمِ الْجَالِسِ، فَهَذَا لَا فَائِدَةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلًا، وَأَيْضًا فَإِنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا وَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَإِنَّمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ يَقِينُ الْحَدَثِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ إلَّا أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ خَوْفَ كَوْنِ الْحَدَثِ حَدَثًا، فَقَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ يُوجِبُ نَقْضَ الْوُضُوءِ، لِأَنَّ خَوْفَ الْحَدَثِ جَارٍ فِيهِ، وَإِمَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute