رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ أَنَّ مَوَالِيَ لِابْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوا ضَبُعًا وَهُمْ مُحْرِمُونَ فَسَأَلُوا ابْنَ عُمَرَ؟ فَقَالَ: اذْبَحُوا كَبْشًا فَقَالُوا عَنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنَّا؟ فَقَالَ: بَلْ كَبْشٌ وَاحِدٌ جَمِيعَكُمْ - وَهَذَا فِي أَوَّلِ دَوْلَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مُخَالِفٌ.
وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ؛ وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالشَّعْبِيِّ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ.
وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ النَّخَعِيِّ، وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَمَّا الْمُحْرِمُونَ فَسَوَاءٌ أَصَابُوهُ فِي الْحَرَمِ، أَوْ الْحِلِّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جَزَاءٌ كَامِلٌ، وَأَمَّا الْحَلَالَانِ فَصَاعِدًا يُصِيبُونَ الصَّيْدَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ؛ فَكَانَ هَذَا الْفَرْقُ طَرِيفًا جِدًّا لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ -: وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ إحْرَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُحْرِمِينَ غَيْرُ إحْرَامِ صَاحِبِهِ، وَالْحَرَمُ شَيْءٌ وَاحِدٌ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ مَوْضِعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ الْحَرَمِ غَيْرُ مَوْضِعِ الْآخَرِ، وَكُلُّ مَكَان مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ حَرَمٌ آخَرُ، غَيْرُ الْمَكَانِ الثَّانِي، وَالْإِحْرَامُ حُكْمٌ وَاحِدٌ لَازِمٌ لِجَمِيعِ الْمُحْرِمِينَ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ رَأَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ بِأَنْ قَالَ: هِيَ كَفَّارَةٌ، فَكَمَا عَلَى كُلِّ قَاتِلِ خَطَأٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي دَمِ الْمُؤْمِنِ كَفَّارَةٌ، وَعَلَى كُلِّ حَانِثٍ إذَا اشْتَرَكُوا فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ كَفَّارَةٌ فَهَذَا مِثْلُهُ - فَعَارَضَهُمْ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فَكَذَلِكَ عَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ وَإِطْعَامٌ وَاحِدٌ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُمْ غَرَامَةً بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ، فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمْ وَالْإِطْعَامُ كَذَلِكَ.
وَأَمَّا الصِّيَامُ فَإِنْ اخْتَارُوهُ: فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الصِّيَامُ كُلُّهُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يُشْتَرَكُ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ.
فَإِنْ اخْتَلَفُوا: فَمَنْ اخْتَارَ مِنْهُمْ الْجَزَاءَ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا بِمِثْلٍ كَامِلٍ لَا بِبَعْضِ مِثْلٍ - وَمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute